عندما تتعاطى بعض المأكولات اليومية… ويتملّكك الإدمان

الأول تنتابه حال هستيرية حين تنفذ منه العلكة، الثاني يعيش تحت وطأة الديون نتيجة تعلّقه بالوجبات السريعة، والثالث يعاني تبعية جسدية للمشروبات الغازية. مأكولات يومية، قد تعرف ضررها على المدى البعيد. ولكن، هل فكَّرت يوماً في أنك قد تدمنها تماماً كما إدمان الهيرويين؟

يعرفه أهل الحي الذين يقصدونه لشراء اللحوم، فهو الوحيد الذي يزودهم ما يريدونه وهم يعلمون إدمانه "البزر". سعيد، الذي يمضي يومه بغياب الزبائن جالساً على كرسيه الخشبي في ركن مخفي من الملحمة ورفيقه كيس "البزر" الذي ما إن يفرغ حتى يسارع ويملأه من الكيس الكبير الذي "يخزّنه" في مكان ما، لا يمكن أن تطوله يد أو تبصره عين. "لا أستطيع أن أجلس في الملحمة ما لم يكن في حوزتي بزر بنوعيه الصغير والكبير". وإذا ما سألت سعيد عما إذا كان مدمناً عليه، ينتفض مدافعاً: "الإدمان كلمة كبيرة. لست مدمناً، لكنني اعتدت عليه ببساطة، فهو يسليني في غياب الزبائن ويجعل الوقت يمضي بسرعة من دون أن أشعر بالملل، وفي حضورهم أستعيض عنه بعلكة تفرج همي!". يعتبر بعضهم أن البزر ليس مضراً بالصحة حتى لو تم تناوله بكميات كبيرة، لكن ماذا لو تحول إدماناً كما هي الحال مع سعيد؟
وإذ توافق ميساء على أن بعض أنواع المأكولات غير مضر صحياً، غير أنها تعترف بأن بعضها يصبح مع الوقت عادةً سيئة ترافق الفرد وتسبب له إحراجاً في المجتمع وقد تتحول إدماناً. اعتاد ابنها وائل على مضغ العلكة حتى بات مدمناً عليها، ولم تجد إلى ردعه عنها سبيلاً. "بدأ قبل عامين من دخوله الى الجامعة بمضغ العلكة مرات عدة في اليوم، وسرعان ما اعتاد عليها حتى بات يطلبها بشدة، الى درجة أنه إذا فقدت من المنزل ولم يكن في حوزته واحدة، يجن جنونه ويقصد السوق لشرائها وإن في ساعة متأخرة. فهو مستعد أن يطوف المدينة حتى يجد متجراً يفتح أبوابه، كي يبتاع واحدة يهدئ بها من روعه والحال الهستيرية التي تنتابه".

وجبات سريعة و"تعاطي" المشروبات الغازية
وفي سياق الإدمان، برز في المطاعم عائلة كارولين إدمان زوجها على "تعاطي" المشروبات الغازية والوجبات السريعة. "لطالما كان سمير يحب الطعام البيتي ويفضله على الجاهز. لكن، بعد انتقاله الى العمل في فرع جديد للمصرف الذي يعمل فيه، تعرف هناك الى أحد الموظفين وتقاربا كثيراً من بعضهم البعض وتوطدت صداقتهما. حسناً، كل ذلك يبدو جيداً، لكن السيء في الموضوع هو نتيجة تلك الصداقة. فقد أدمن سمير تناول الوجبات السريعة والمشروبات الغازية بعدما كان يرفض رفضاً قاطعاً إدخالها الى المنزل. واعتدنا في المنزل سماع صوت الجرس في ساعة متأخرة بعد منتصف الليل، معلناً قدوم الـ"ديلفري" محملاً بالمأكولات الدسمة وطبعاً من دون أن ننسى المشروبات الغازية. لقد وصلت به الامور إلى أنه بات يقترض المال من أصحابه كي لا يفوت عليه أي وجبة جاهزة، أو أي عرض تقدمه المطاعم". وإذ تعلم كارولين يقيناً، كما يعلم زوجها مدى الضرر الذي تخلفه الوجبات السريعة كما المشروبات الغازية على الجسد، إلا ان محاولتها ردع سمير عنها باءت جميعها بالفشل، ومن بينها تعلّمها دروساً متنوعة في أشهر الأطباق العالمية.

أثر الإدمان النفسي
لا يختلف اثنان على أن إدمان المخدرات والكحول من الآفات الإجتماعية المدمرة التي ينبغي مكافحتها، لكن المدمن صفة لا تطلق على متعاطي هذين النوعين فحسب، بل يصحّ إطلاقها على من يصر على تناول أنواع أخرى من المأكولات في شكل يتخطى حدود المألوف. ويساوي علم النفس بين جميع أنواع الإدمان في الخطورة والضرر، فلكل نوع منها انعكاساته السلبية على المدمن وعلى المحيطين به.
ويعرّف المعالج النفسي الدكتور عبده شرارة الإدمان على أنواع من المأكولات، بأنه "حالة تعاطي بعض تلك الأنواع المأكولات في شكل مستمر، وصولاً الى التبعية الجسدية والنفسية له أو حتى الاثنين معاً. وغالباً، ما يكون الإدمان على أنواع من المأكولات وتحديداً العلكة والبزر بمثابة استراتيجية معينة يواجه بها الشخص المدمن قلقاً ما ينتابه، فيعتاد عليها وهي قد لا تشكل ضرراً على الصحة او لا تحتوي بالضرورة على مواد مخدرة أو تجعل الجسم يعتاد عليها ويطلبها، لكن تلك العادة تحصل بسبب الحاجة الى تهدئة النفس بعد موقف معين او تفريغ توتر يكون في طباع الشخص او حتى بداعي التنفيس عن الغضب، فيقع المدمن مع محاولته خض قلقه ضحية أزمة نفسية خطيرة تنتج من الإدمان، فيحتاج معها الى علاج نفسي كي يشفى منها". أما آثار الإدمان النفسية، فتتمثل وفق شرارة، "بالسرعة الانفعالية والتوتر الدائم الذي يفتر بمجرد الحصول على المراد، وقد يصبح المدمن قليل الصبر وعدائياً ويمكن أن يتنازل عن أي شيء لقاء حصوله على نوع المأكولات المدمن عليه".

قلق وتوتر وأعراض إنسحاب
يجمع الكل على تأثير الإدمان عموماً في وضع الفرد النفسي وانعدام التوازن الذي يحدثه، لكن عند الوصول الى التأثيرات الصحية، يعتقد كثيرون أن العلكة لا تخلف أضراراً جسدية، علماً ان الكل يوافق على أخطار المأكولات السريعة والجاهزة وكذلك المشروبات الغازية. لكن الفصل في هذا الموضوع يعود الى الطب وحده.
وكشفت دراسة أميركية أجراها معهد "سكريبس" للبحوث في ولاية كاليفورنيا، أن الوجبات السريعة يمكن أن تسبب نوعاً من الإدمان يشبه الإدمان على المواد المخدرة ( كتأثير إدمان الكوكايين والهيرويين)، بسبب احتوائها على كميات مرتفعة من الدهون والسكريات. وأشارت من خلال تجارب على حيوانات، الى أن تناول الحلوى والمأكولات السريعة في شكل منتظم يمكن أن ينبه نظام التوتر في المخ، ويتسبب في حصول أعراض قلق وشره في تناول الطعام وأخرى تشبه تلك التي يشعر بها المدمن على المواد المخدرة.
ويشير طبيب الصحة العامة الدكتور فراس شهيب الى أن الدماغ "يستجيب للوجبات السريعة تماماً كاستجابته للمخدرات، فالأطعمة الدسمة والغنية بالدهون تنشط إفراز أنزيمات السرور والسعادة في الدماغ ، من هنا ينشأ الإدمان عليها. والأمر نفسه، ينطبق على المشروبات الغازية التي تحتوي على نسبة عالية من السكريات الى جانب الكافيين، مما يحفز إفراز تلك الأنزيمات. والأشخاص الذين لا يحصلون على كمية مناسبة من الدهون والكربوهيدرات والسكريات والكافيين، يشعرون بعدم التوازن والافتقار الى الحيوية، ويحتاجون الى زيادة الكميات من تلك المأكولات والمشروبات كي يحصلوا على الرضى والاكتفاء".
وعن الآثار السلبية التي تخلفها المشروبات الغازية والوجبات السريعة، فيلفت شهيب الى أن "الإكثار منها يسبب مشكلات صحية وعقلية، وقد ينجم عنه في أفضل الأحوال حزن وتوتر. فالكافيين في تلك المشروبات يسبب نشاطاً مفرطاً لدى المراهقين، ونسبة السكر المرتفعة الموجودة فيها تسبب ارتفاعاً في ضغط الدم وتفرز هورمونات تساعد في زيادة الوزن، وينتج منها اكتئاب وتوتر عصبي، علماً أن احتواءها على عناصر حمضية تفتك ببنية الأسنان وتؤدي الى تخلخلها". كذلك تسهم الوجبات السريعة "في زيادة الوزن وترفع معدل الكوليسترول وتسبب فقر الدم، وقد ينجم عنها خلل في الجهاز الهضمي نظراً الى خلوها من الخضراوات الطازجة والفيتامينات والمعادن والألياف الضرورية لانتظام حركة الأمعاء الطبيعية، وقد تؤثر كذلك في العقل محدثة كسلاً فيه وخمولاً".
ولكن، ماذا عن البرز والعلكة؟ يشير شهيب إلى أن "عضلات ومفاصل الفك تتحرك تلقائياً عند تناول الطعام والشراب، وعند التحدث وتحريك اللسان أكثر من 1500 مرة في اليوم بقوة خفيفة نسبياً. لكن في حال مضغ العلكة أو البزر، فإن كمية الضغط على تلك العضلات تزيد لدرجة كبيرة قد تصيب الفك بالتضخم والإجهاد وعدم الراحة والشدّ العضلي، وتحرُّك الفك لوقت طويل يسهم في استمرار انقباض العضلات حتى في غياب العلكة مولِّداً "الكز" على الأسنان. وتالياً، تنعدم فترة راحة العضلات وقد تتآكل الأسنان وتتفتت وتصاب بالحساسية تجاه المأكولات الباردة والساخنة، وقد تتآكل العظام المثبتة لجذور الأسنان كذلك، إضافة الى أوجاع الرأس والعنق والأكتاف".

نصائح
لا توجد مراكز لإعادة تأهيل مدمني الوجبات السريعة والمشروبات الغازية كما هي الحال مع مدمني المخدرات والكحول، ولهذا لا بد من مساعدة الشخص نفسه ذاتياً للإقلاع عن إدمانه. اختصاصية التغذية رولا ميقاتي تسدي بعض النصائح التي قد تفيد في الإقلاع عنها.
أولاً، المشروبات الغازية؟ " يجب تجنب المغريات المنتشرة ومنها الإعلانات الترويجية لتلك المشروبات، كما أن التعرف الى الاخطار والمشكلات الصحية التي تنتج منها قد يساعد في تجنبّها. أما الانقطاع عنها، فيجب أن يتم تدريجاً وليس بطريقة مفاجئة لما قد ينجم عن ذلك من صداع وانفعالات عصبية مفرطة بسبب نقص الكافيين من الجسد دفعة واحدة. وكذلك، يجب التنبه الى ضرورة الابتعاد من المشروبات "الدايت" التي تحتوي على مادة "الاسبارتيم" التي يتم استقلابها في الجسم الى مواد كيميائية سامة ترتبط ببعض الاضطرابات العصبية والصداع النصفي والدوار وتقلبات المزاج، ويمكن إبدالها بالعصائر أو المشروبات الساخنة كالشاي واليانسون لتهدئة الاعصاب".
ثانياً، الوجبات السريعة؟ لا يمكن التأكيد على أنها مضرة بالصحة الجسدية، لكن "ثمة خطوات يمكن تجنب أخطارها وأضرارها"، على ما تقول ميقاتي. "يمكن مثلاً عند طلب البيتزا اختيار الأنواع التي تحتوي على كميات أكبر من الخضر وأقل من اللحوم والأجبان، كما يمكن طلب الحجم الصغير من "البرغر" المشوي وليس المقلي لخفض السعرات الحرارية، وتجنب البطاطا المقلية وإبدالها بالفاكهة أو العصير الطازج. كذلك، يجب اختيار السلطة التي تحتوي على الخضر الطازجة وتجنب المايونيز فيها والخبز المحمص والبقول".  

السابق
عشق في الفايسبوك
التالي
فتفت: بقاء عون في الحكومة او خروجه منها بيد حزب الله والاسد