ماذا يحدث لبريدك الإلكتروني بعد وفاتك؟

 أعترف أولا أنني لست صاحب الفضل في طرح هذا السؤال.. فقد طرحه علي أحد القراء فلم أستطع منحه إجابة شافية وقلت له شيئا من قبيل: «أعتقد»، «ربما»، «لعله» يحذف تلقائيا حين لا يستعمل لفترة طويلة!؟

غير أن أهمية السؤال جعلته محفوظا في ذاكرتي، وتوسع بمرور الأيام ليشمل كافة الحسابات الإلكترونية، والملفات الرقمية، والرموز السرية، والمراسلات العالقة في فضاء الانترنت بعد وفاتنا!؟

فالممتلكات المادية أمرها واضح ومصيرها معلوم – ولها أنظمة وتشريعات خاصة بها.. أما الممتلكات الإلكترونية أو Digital assets فيصعب تتبعها والمطالبة باستعادتها أو إلغائها – ناهيك عن عدم وجود قوانين خاصة بها.

والمسألة لا تتعلق فقط بالوثائق والمستندات (الموجود في هذه الحسابات) بل وبحقيقة أنك «انسان» يملك أسرارا وخصوصيات لا يرغب باطلاع أحد عليها بعد وفاته.

ولأنه لا توجد قوانين رسمية أو اتفاقيات موحدة، تضع كل جهة مستضيفة أنظمة خاصة بها. وحين بحثت شخصيا في بروتوكولات المواقع الأكثر استعمالا لدينا (مثل ياهو والهوتميل والجيميل وموقع التواصل الشهير الفيسبوك) اتضح لي وجود بروتوكولات مشتركة، وفي نفس الوقت مزايا مختلفة ومتفاوتة فيما بينها.

وخذ مثلا بريد الياهو Yahoo الذي لا يسمح لأي انسان بالدخول الى حساباتك بعد وفاتك (حتى ورثتك المعتمدين) طالما وافقت أنت منذ التأسيس على هذا الشرط.. الاستثناء الوحيد هو قيامك بمنح رقمك السري وكلمة المرور لأحد ورثتك أو من تثق بأمانته فعلا.. أما حسابك ذاته فيظل مفتوحا حتى يتأكد الموقع من عدم وجود أي نشاط فيه فيلغيه تلقائيا ودون استئذان!!

أما بريد الهوتميل Hotmail فيلغي نفسه تلقائيا في حال لم تستعمله أنت خلال عام كامل (وتطول الفترة لأكثر من ذلك في حال اشتراكك بمبلغ سنوي).. وفي حال وفاتك قبل هذا يمكن لوريثك الأول (كما هو الحال مع الجيميل) تقديم مستندات ووثائق تثبت علاقته بك وبالتالي يحق له الاطلاع على ارشيفك وحذفه نهائيا.

أما بريد الجيميل Gmail فيظل مفتوحا ولا يغلق أبدا (حسب ادعاء شركة جوجل).. وفي حال وفاتك يسمح لوريثك التالي بفتح بريدك والاطلاع على مستنداتك طالما قدم ما يثبت علاقته بك؛ (والغريب امكانية فعل ذلك بمجرد ارسال فاكس أو التواصل معهم مباشرة).. وحين يطمئنون الى علاقته بك لا يسمحون له فقط بالتفتيش في رسائلك ومستنداتك بل وطلب حذفه وإلغائه نهائيا!!

أما موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك Facebook فيتخذ موقفا وسطا بين تشدد الياهو وتساهل الجيميل.. فهو من جهة لا يسمح لأحد بالدخول إلى حساباتك الخاصة (ما لم تكن أنت قد منحت هذه الصلاحية مسبقا لشخص ما).. ولكن في حال إبلاغه بوفاتك من قبل أحد اقربائك يحول صفحتك الى «صفحة ذكرى» دائمة مع حذف معلوماتك الحساسة!!

ومن هذا يتضح أن الياهو هو الأكثر تشددا بخصوص اطلاع الآخرين على بريدك الإلكتروني (وبالتالي أنصحك باستعماله إن كنت تحمل هما بهذا الخصوص).. وفي المقابل يعد الجيميل الأكثر تساهلا وبقاء بعد انتقالك للآخرة (وبالتالي أنصحك باستعماله في حال أردت الاحتفاظ بأسرارك لأحفادك).

أما الهوتميل فموقع مسالم يحذف ما فيه أولا بأول (وحين تغيب عنه لفترة طويلة ينتحر حزنا عليك).. أما إن أردت مقبرة إلكترونية يزورها أحبابك وأصحابك لاحقا فعليك بالفيسبوك حيث لا يمكن حتى لورثتك إلغاء وجودك (ولكن يسمح لهم بتجميد صفحتك وحذف ما يسيء لسمعتك.. أو لنقل.. ما يسيء لسمعتهم)!!

وفي جميع الأحوال.. تذكر جيدا أننا نعيش في عصر التعاملات الإلكترونية ونملك عددا كبيرا من الحسابات والبطاقات والأرقام السرية.. وكي لا تدخل عائلتك بعد وفاتك في متاهات البحث وتعقيدات المطالب الرسمية (خصوصا تعاملاتك المالية) اسمع نصيحتي واحتفظ بحساباتك الإلكترونية داخل مظروف مغلق واكتب عليه من الخارج «لا يفتح إلا بعد وفاتي»!!

ودعواتي لك بالصحة وطول العمر. 

السابق
إضاءة.. الإسلاميون في مصر و صراع السلطة
التالي
إيران قوة عسكرية ولكن مع وقف التنفيذ