هكذا نسج بري مخرج تمويل المحكمة

لن يتوقف البحث والتحليل في أبعاد وخلفيات «الحل السحري» لأزمة تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الى أمد طويل، كونه جاء مخالفاً كل التوقعات على جبهتي الموالاة والمعارضة، ووضع البلاد أمام مرحلة جديدة دفعت الجميع الى مراجعة حساباتهم والتوقّعات على وقع التطورات الإقليمية المتلاحقة، إستعدادا للآتي من الإستحقاقات…

وهذا "الحل التمويلي"، إذا جاز التعبير، كان موجوداً في جيب رئيس مجلس النواب نبيه بري مذ قال قولته الشهيرة لـنا قبل أكثر من شهر: "كل أوان لا يستحي من أوانه"، وذلك في معرض رده على سؤالها عما سيتخذ من خطوات للخروج من أزمة تمويل المحكمة، في ضوء الضغوط الداخلية والخارجية التي يتعرض لها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والأكثرية التي حملته الى سدة الرئاسة الثالثة قبل أكثر من عشرة أشهر.

ويقول بري أنه كانت لديه صيغاً أخرى اضافية، وكان سيطرحها لو ان الصيغة التي أعلنها ميقاتي لم تنجح، ويؤكد أنه لم يكشف كل التفاصيل التي سبقت الإعلان عن هذه الصيغة ورافقتها "وفي الوقت المناسب سـأتكلم عن هذه التفاصيل، إذا وجدت ذلك ضروريا".

ويشير بري الى أنه احاط هذه الصيغة التمويلية بكثير من السرية، ولم يكشف عنها، الاّ بعد تلويح ميقاتي بالإستقالة اذا لم يتم اقرار تمويل المحكمة، فأطلع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان عليها بواسطة الوزير علي حسن خليل، ثم أعلم قيادة حزب الله بها عندما قاطع رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون الحكومة مهددا باستقالة وزرائه منها رداً على تهديد ميقاتي بالاستقالة، وكان له لهذه الغاية لقاء مع الحاج حسين خليل المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فأكد له أن لديه حلاً لموضوع التمويل ولحماية الحكومة من الإستقالة، مبدياً خشيته من أن تهدد خطوة عون هذا الحل، وطلب من الحزب التدخل لديه لثنيه عن هذه الخطوة، وأطلع ميقاتي عليه عندما زاره الثلثاء الماضي، وكذلك رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط مساء اليوم نفسه بعدما كان الأخير أوفد إليه الوزير وائل أبو فاعور نهاراً.

ويرد بري على الذين يقولون أن خطوة تمويل المحكمة من حساب الهبات والمساعدات والتبرعات التابع للهيئة العليا للاغاثة في مصرف لبنان، "هي خطوة غير دستورية"، فيقول: "ليأتوني بنص يؤكد عدم هذه الدستورية، فأنا عندما أقول أن المحكمة غير دستورية فإني أستند الى النص الدستوري الذي يشير الى صلاحية رئيس الجمهورية في التفاوض لعقد الاتفاقات والمعاهدات الدولية والتي تحال بعد توقيعها الى مجلس النواب لابرامها، والمحكمة لم تمر في التسلسل الدستوري، ولذلك هي غير دستورية". ويضيف: "هناك شيء في الصدور، فالبعض في الموالاة مستاؤون ومنزعجون ظاهرياً، في حين أن المعارضة هي في الحقيقة مقهورة ومصابة في الصميم وكانت تتمنى أن لا يتم التمويل لأن همّها وهدفها الأول منذ خروجها من السلطة هو الحكومة وليس المحكمة. فلقد حضّروا تظاهرات شعبية في المناطق، وكذلك حضّروا العقوبات الدولية، وبدأ مودعون ممن يملكون 50 الف دولار وما فوق وما دون يستعدون لسحب ودائعهم من المصارف، حتى أن هناك اناسا سحبوا ودائعهم بالفعل قبيل المؤتمر الصحافي للرئيس نجيب ميقاتي لأنهم توقعوا أن يعلن إستقالته، وهذه وقائع حصلت ويعرفها حاكم مصرف لبنان والمصارف".

ويروي بعض السياسيين الذين واكبوا هذا "الاخراج التمويلي" وما رافقه من مشاورات واتصالات، ان البعض وبينهم من هم في موقع القرار، بدأوا يغيرون في مواقفهم قبيل إعلان ميقاتي قرار التمويل، لأنهم كانت لديهم معطيات جدية بأن الرجل سيستقيل فعلاً، وأن الأبواب ستشّرع مجددا أمام عودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة خلفاً له. حتى أنه تناهى الى بري أن بعض "كبار القوم" رددوا كلاما في مجالسهم الخاصة والعامة مفاده أنهم لا يستطيعون إلاّ ان يكونوا على مسافة واحدة من الأكثرية والمعارضة، وتاليا لا يمكنهم إلاّ أن يكونوا الى جانب الحريري في عودته المفترضة الى الرئاسة الثالثة.

ولذلك يقول بري"ان المخرج لتمويل المحكمة جاء وكأنه هبط من السماء، فلم يُحرج أحدا، بدليل ما قاله السيد نصرالله في خطابه العاشورائي يوم السادس من عاشوراء، من ان تمويل المحكمة تم بواسطة أموال الهبات، وليس من أموال الشعب اللبناني".

ويعتقد سياسيون، ان التمويل الذي أزاح عن ميقاتي عبئا وضغوطا داخلية وخارجية كان وحكومته يتعرضان لها، وضعه في المقابل أمام مسؤولية تفعيل أداء حكومته وإنتاجيتها، وهو أمر لطالما نادى بري به منذ تشكيلها، لأنها، في رأيه، كلما أنجزت كلما نجحت وترسخت وباتت قادرة على مواجهة الاستحقاقات الداخلية والخارجية واستيعاب إنعكاسات التطورات الاقليمية. ويكرر بري في هذا المجال القول "أن الموالاة تتصرف وكأنها معارضة، وأن المعارضة تتصرف وكأنها موالاة، وكلاهما تحتجان الى دروس ومحاضرات لكي تمارس كل منهما دورها الطبيعي". ويشير الى أنه عندما طالب ودعا الى إستئناف الحوار الوطني برعاية رئيس الجمهورية، كان في نيته أن يطرح موضوع تمويل المحكمة والتشاور به على طاولة الحوار، أو في لقاءات جانبية بين الأقطاب المتحاورين، حتى يتم التوافق عليه، ولكن الحوار لم يحصل، ولذا كان لا بد من اللجوء الى هذا المخرج، لإبعاد البلاد عن مخاطر الفراغ. ويرفض بري مقولة ان التمويل كان مطلباً سورياً، أو خدمة لسوريا، في ضوء العقوبات الاقتصادية التي إتخذتها جامعة الدول العربية ضدها، ويشير الى "ان من يراهن على سقوط النظام السوري، إنما يراهن على سراب".

ويقول قطب بارز في الأكثرية، ان قرار ميقاتي بتمويل أصاب الرئيس سعد الحريري وحلفائه بـ"خيبة أمل كبرى"، الأمر الذي سيدفعهم الى إعادة النظر في مشاريعهم وخططهم السياسية لمواجهة الأكثرية وحكومتها التي ضمن التمويل بقاءها حتى إستحقاق الانتخابات النيابية العامة سنة 2013، وهو إستحقاق سيكون على الأرجح حامي الوطيس.  

السابق
بطر صغار التجار يطرد أبناء مرجعيون وبنت جبيل إلى سوق الجملة للخضر… ولا رقابة
التالي
نصر الله: على العرب والمسلمين معرفة ان اميركا وأدواتها هم اعداء العرب والمسلمين