14 آذار ومشروع «الخلاص الوطني»

 يعرف "حزب الله" جيّداً أنّ المعادلات التي بموجبها حسم الصراع على السلطة مطلع العام الجاري بواسطة الانقلاب، قد تغيّرت منذ فترة في ضوء التحوّلات الجارية في المنطقة، لا سيّما دخول نظام الأسد الحليف في مرحلة السقوط ودخول "الجمهوريّة الإسلاميّة" في دائرة الأزمة البنيويّة الوجوديّة. أي إنّ "حزب الله" يعرف أنّه يخسر. ويردّ الحزب – ومن معه – بالتمسّك بالسلطة. وفي خطبته مساء الخميس الماضي، أخبر الأمين العام للحزب اللبنانيّين أنّه رفض في كانون الثاني الماضي عرضاً سمّاه "صفقة" على المحكمة الدولية زاعماً أنّ الأولويّة عنده لمصلحة البلد على مصلحة الحزب… هذا مع العلم أنّ العرض الفعلي لا المزوّر كان يقضي بمؤتمر مصالحة ومسامحة. كذلك فإنّ السيّد نصر الله لم يخفِ أنّه على الرغم من "الضرب" الذي أكله بتمويل المحكمة الدوليّة فإنّه لا يزال يتمسّك بالسلطة، من أجل التسلّط وكرمى للأسد الذي أمرَه ببقاء حكومة ميقاتي!.

في المقابل، من المُفترض بالرابع عشر من آذار أن تعرف ما يعرفه "حزب الله". أن تعرف أنّ "حزب الله" يخسر ومن معه، وأنّها تربح بتحوّلات الربيع العربيّ عموماً والربيع السوريّ خصوصاً. وأن تعرف أنّ تلك التحوّلات هي "رافعة" تقدّمها.

بيدَ أنّ الملاحظة العامّة التي لا مفرّ من توجيهها إلى 14 آذار بشكل عام… وإن كانت ملاحظة لا تتعلّق بفريق سياسيّ بذاته ضمنها بل بـ"مناخ" يسود الصفوف، هي الملاحظة الجوهريّة الآتية: إنّ 14 آذار تخوض معاركها السياسيّة على الأرضيّة نفسها التي ينطلق منها "حزب الله". هكذا تبدو. تبدو هي أيضاً في مجرّد صراع على السلطة. خسرت الصراع على السلطة بـ"القوّة" ضمن معادلات محدّدة وتخوض معركة العودة إلى السلطة بالمتغيّرات العربيّة وبالتناقضات التي تعتمل في صفوف "الخصم" في هذه المرحلة.

طبعاً ليس الصراع للعودة إلى السلطة عيباً سياسياً أو وطنياً… أو أخلاقياً.

غير أنّ المتغيّرات الحاصلة حتىّ الآن والتي يُتوقّع لها أن تكبر، خصوصاً بعد سقوط النظام السوريّ، تفترض من 14 آذار أن تعي أنّ السلطة هي البند الذي يلي أولويّة أخرى.

وتلك الأولويّة التي تعلو على مسألة السلطة، هي بالضبط أن تمتلك 14 آذار مشروعاً إنقاذياً للبنان أي مشروعاً لـ"الخلاص الوطني" اللبناني، وأن تتقدّم بهذا المشروع إلى كلّ اللبنانيّين، ثمّ أن تخوض على أساسه معاركها السياسيّة الديموقراطيّة.

ذلك أنّ التطوّرات الحاصلة وتلك المتوقّعة تفتح أوّل ما تفتح فرصة تاريخيّة لمستقبل لبنان على كلّ الصعد. والأهمّ مِن أن يُقال إنّ ما بعدَ اكتمال التطوّرات هو عودة لـ 14 آذار إلى السلطة أن يُقال إنّ ما بعد هو إنقاذ للبنان.

وأن تبادر 14 آذار إلى مخاطبة اللبنانيّين كلّ اللبنانيّين منذ الآن، أي في المرحلة الانتقاليّة الموضوعيّة القائمة حالياً، يعني أن تقول لكلّ اللبنانيّين إنّ ما بعد لن يكون فتنة من أيّ نوع كان ولن يكون احتراباً من أيّ نوع كان… من وجهة نظرها.

إنّ صياغة 14 آذار لمشروعها للإنقاذ أو للخلاص الوطني مطلوبة. والمرجعيّة المحسومة للمشروع الإنقاذي هي اتفاق الطائف. لكن تأسيساً على تلك المرجعيّة، فإنّ المشروع لا بدّ أن يتضمّن بنوداً وطنيّة شاملة، إذ ما معنى أن يُقال إنّ ما بعد يمثّل فرصة تاريخيّة ما لم تكن الفرصة عناوين محدّدة بشأن الدولة وسيادة الدولة والشراكة وعلاقات الشراكة وبرنامج استعادة الدولة وحقوق الإنسان والسلاح وغير ذلك؟. ما معنى أن يُقال إنّ ما بعد يمثّل فرصة تاريخيّة ما لم تُعلن 14 آذار أنّها ستفعل كذا وكذا؟.

إن التقدّم بمشروع للإنقاذ لا يعيد فقط الاعتبار لـ 14 آذار بصفتها صاحبة مشروع، بل يحسُر الفريق الآخر الذي ينسب إلى 14 آذار مشروعاً غير صحيح ويكذب بشأنِها ويهدّد. و"المؤسف" على سبيل المثال أنّ السيّد نصر الله الذي لا يفعل سوى أن يمارس التجييش المذهبيّ منذ سنوات وحتىّ خطبته الأخيرة، و يتّخذ مواقف تستثير المذهبيّة و يلصق بالثورة السوريّة سياسة مذهبيّة فيما القاصي والداني يعلمان أنّ الأسد هو من يخوض مذهبياً صراعه من أجل البقاء. ولذلك فإنّ مبادرةً 14 آذاريّة من هذا القبيل تطيح بـ"سلاح التجييش المذهبي".

و"يجب" أن يكون واضحاً سلفاً أنّ ما تقترحه السطور السابقة على 14 آذار ليس له علاقة بما قامت 14 آذار به أو ما اضطرّت إلى القيام به في 2005. لا تحالفَ رباعياً ولا لما يشبهه أو يوازيه. لا لـ "حكومات وحدة وطنيّة". لا لأثلاث معطّلة. فالمطروح مشروع إنقاذيّ من أجل إطلاق عمليّة تشكّل السلطة بعدَ ذلك في مناخ آمن ومن ضمن ضوابط الدولة والقانون. وما يحسم مصير السلطة انتحابات ديموقراطيّة يتمّ تحديد معاييرها وظروفها ولوجستيّاتها في فترة لاحقة.

يجب الاعتراف بأنّ الحركة الاستقلاليّة كانت تريد في 2005 تأمين انتقال هادئ من مرحلة الوصاية السوريّة ونظامها الأمنيّ إلى مرحلة الاستقلال ودولته، لكنّ محاولة التفاهم على الانتقال تحوّلت تحالفاً انتخابياً – سياسياً – في وقتها. ويجب الاعتراف بأنّ ما طغى على الصراع السياسيّ منذ 2006 أنّه، على رغم المضامين الـ 14 آذاريّة، ما تحقّق منها وما لم يتحقّق، كان صراعاً على السلطة حتىّ لو كان "حزب الله" وفريقه هما من دفع إليه.

أمّا الآن، وفي ضوء كلّ ما يجري حول لبنان، وفي سوريا بالتحديد، فإنّ المدخل الـ 14 آذاريّ هو مشروع الخلاص الوطنيّ للبنان.

وأمّا اليوم… فإنّه "يجب" مغادرة المقاربة "التقليديّة" للأحداث والتطوّرات و"المحطّات الفاصلة". فلا يجوز أن يتغيّر العالم العربيّ وأن تبقى مقارباتنا تقليديّة.

مشروع الإنقاذ… ثمّ السلطة بانتخابات ديموقراطيّة، أي بتفويض شعبي… على أساس مشروع الإنقاذ! 

السابق
ماذا يعني فوز جمهوري بالرئاسة الأميركية؟
التالي
الاختراق الكبير لـ «حزب الـله»