وضع علامات على يهود ووضع علامات على عرب

 في الاول من نيسان 1933 داهم ناس الـ اس.إي (سرايا العاصفة النازية) مشاغل يهودية في المانيا وأفسدوها وأضروا بأصحابها. وأشرف وزير الدعاية النازي، جوزيف غبلز على تطبيق "يوم القطيعة"، الذي كان يرمي الى تمييز اليهود وطبع خاتم الحزب الذي تولى السلطة قريبا.
في تشرين الثاني 2011 جرى توقيف مئير اتينغر للتحقيق معه بعد ان تجول في سوق محنيه يهودا على نحو يثير الريبة. وقال انه يشارك في مشروع "عمل عبري" يرمي الى رسم خرائط للحوانيت التي تشغل عربا وتحذير اليهود من ان يشتروا منها. ينبغي ان نفترض ان اتينغر يبغض النازيين وكل ما يرمزون اليه. وبرغم هذا اختار طريقة وضع العلامات التي كانت مستعملة عند كارهي اسرائيل على اختلاف عهودهم.
ان وضع علامة على الاجنبي بقصد حماية مجتمع الاكثرية معروف منذ عصر الاسلام الاول، حينما أوجب العرب على اليهود والنصارى ان يضعوا في رقابهم علامات ملونة فارقة. وفي 1215 استقر رأي مجمع المجمع الكنسي على ان يتم تمييز اليهود عن الجماعة النصرانية بلباس مختلف لم تُحدد صورته. وفُرض عليهم بعد ذلك ان يعتمروا قبعات محددة تثير السخرية. وفي زمن الطرد من اسبانيا أعلمت محاكم التفتيش بيوت من استمروا في اقامة الفرائض اليهودية برغم أنهم أعلنوا على الملأ الاخلاص للنصرانية.
طور النازيون هذه الطريقة: فبعد "يوم القطيعة" سُن "قانون اعادة بناء جهاز الدولة المهني"، الذي أفضى الى إقالة ألفي عامل دولة من اليهود، وأججوا الغرائز بحرق، على رؤوس الأشهاد، كتب كتبها يهود. ان اضافة اسمي سارة واسرائيل الى الأسماء الأصلية لليهود جميعا، وطبع ختم الحرف "J" في جوازات سفرهم وفرض الخرقة الصفراء، كل ذلك كان مقدمة للابادة الشاملة.
اليوم ايضا ما تزال مجموعات معينة تضع على اليهود علامات. وتوثق معاهد لبحث معاداة السامية في مؤسسات اكاديمية في اسرائيل ظواهر إهانة اليهود وضربهم في اماكن عامة، والكتابة المسيئة المتعمدة ورسم الصلب المعقوفة في مقابر يهودية في اوروبا، وهي فكرة تبناها في المدة الاخيرة يهود دنسوا مقابر للمسلمين في اسرائيل.
ان "العمل العبري" يشير الى بدء منزلق يحسن ألا نرى نهايته. ان اعلام الحوانيت قانوني في ظاهر الامر. لكن الزعرنة الهادئة التي يجسدها لا تهدد العمال العرب وحدهم بل الاسرائيليين جميعا. يمكن ان نكون أبطالا على الفلسطينيين الذين يسكنون ويعملون داخل اسرائيل والذين هم أقلية. لكن هذه "البطولة" قد تفضي الى اشتعال واسع في المنطقة التي فيها الاسرائيليون أقلية ضئيلة الشأن. وقد تضعضع ايضا الأسس الديمقراطية للدولة وتفصلها عن حلفائها.
ان اعمالا كهذه التي تعملها جماعات اليمين الاسرائيلية تتم في حدود الخط الاخضر وخارجها منذ سنين كثيرة. وهي تندرج جيدا في نطاق أشمل من تحقير ممثلي الدولة للاجانب واثارة مقترحات قانون قد تقيد في المستقبل حرية المعلومات والصحافة. ربما لا تقصد الحركة اليمينية ان تدهور المجتمع الاسرائيلي الى عنف من النوع الذي استعمله اسوأ أعداء اسرائيل. لكن برغم ضعف القيادة يحسن ان تستيقن من ان اغماض العيون الحالي لن يفضي الى المسار الذي يميز صعود نظم حكم استبدادية. ومن المؤكد ان رئيس الحكومة وهو ابن مؤرخ مهم عالم بالخطر. 

السابق
نشوء وارتقاء الاسلام
التالي
آيات الله القاهرة