أن تكون حسينيّاً في هذه الايام

تعيش الطائفة الإسلاميّة الشيعية هذه الأيام احتفالات ذكرى عاشوراء التي تتناولها روايات عديدة تتحدث عن استشهاد الإمام الحسين، حفيد نبي المسلمين من ابنته فاطمة، ونجل الإمام علي بن ابي طالب، إبن عم الرسول ورفيقه.

وعشية الاحتفال باليوم العاشر من ملحمة شهر محرم الهجري، الذي يشهد، بعد تسعة أيام من القتال والتنكيل بأهل بيت الرسول وأصحابه، مقتل الحسين على أيدي بني أمية في عهد يزيد بن معاوية بن أبي سفيان سنة 61 للهجرة الموافق 10 تشرين اول 680 ميلادي، لا بد من الوقوف عند هذه المناسبة الأليمة بعقل هادئ وتحليل موضوعي يربط بين قضية الثورة الحسينية وواقعنا اليوم، بعيداً عن أي نزعة مذهبية أو حساسية طائفية.

فقضية الحسين، وان كانت من ضمن قضايا عديدة في تاريخنا الإسلامي والإنساني، تؤرّخ لثورة محقّة ضد ظلم لا يُحتمل، الا أنها مهمة بحد ذاتها لمدى انغراسها في العقل الجماعي لشريحة واسعة من المسلمين الذين استمدوا من معانيها عنفوانهم ضد ظلم وقع في مراحل تالية من التاريخ، وحتى لا نذهب بعيداً نتحدث عن ثورة الإيرانيين ضد الشاه محمد رضا بهلوي قبل العام 1979، ومقاومة حزب الله لبنان ضد العدو الاسرائيلي وكذلك مقاومة بعض كتائب المقاومة العراقية الشيعية للاحتلال الأميركي في بلاد الرافدين.

هذا لا يعني أن تأثيرات هذه الثورة لم تطل أبناء المقاومة الإسلامية من أهل السنة في فلسطين، والذين لا يقلّون عن اخوانهم الشيعة في إجلال قدر الحسين ومحبته. بل ذهبت التأثيرات أبعد من ذلك اذ كتب عنها الكثير من الثوار في العالم ورجال سياسة وأدب وعلم بينهم المناضل الهندي المهاتما غاندي الذي قال “علمني الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر”، والزعيم الشيوعي الصيني ماوتسي تونغ الذي نصح وفداً من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في نهاية التسعينيات باستلهام ثورة الحسين.

في أي حال، المهمة الأساسية التي يضطلع بها العقلاء اليوم هي اخراج هذه الثورة من حيّزها الطائفي المذهبي وجعلها تراثاً أممياً يرويه كل البشر. مهمة تبدأ من الشيعة والعلويين أنفسهم الذين يحيونها مع بداية كل شهر محرم من كل عام هجري من دون غيرهم من المسلمين، وتنتهي مع انفتاح الآخر على هذه القضية الانسانيّة كصورة مشابهة لما يحدث في دنيانا اليوم من ظلم بحق الفقراء والمضطهدين والمسحوقين في العالم.

يمكن للآخرين أن يطلّوا على قصة الحسين من مصادر موضوعية غير مغالية في ولاءاتها المذهبية، واين هي المشكلة اذا سعى أهل السنة لمشاركة إخوانهم من الشيعة في إحياء المناسبة عبر ايجاد مسافة مشتركة تُخرج الاحتفال من نمطيته ومغالاة البعض في التعاطي معه، لتدخله في دائرة الوعي الجماعي لقيم الحرية والعدالة ومقارعة الظلم والاستبداد. قد يتم ذلك من خلال روايات سهلة مبسطة وأعمال مسرحية وسينمائية ودرامية ومعارض فنية متنوعة يشرف على كتابتها واقامتها متخصصون في التاريخ الاسلامي يتمتعون بالعلم والموضوعية والبعد عن النزعة المذهبية الضيقة.

ولا بد لمن يحتفل في مناسبة عاشوراء أن يطابق الإيمان بالفعل، فلا يقف مع الظالم ضد المظلوم كما هو حاصل في موقف بعض رجال الدين والسياسة الشيعة تجاه المسألة السورية، وكما هو حاصل أيضاً مع نظرائهم من رجال دين وسياسة سنة في موقفهم تجاه مسألة البحرين والسعودية. فبنو أمية لا يزالون يحكمون الشام وكفار قريش يسيطرون على الخليج، والظلم واقع على المقهورين بغض النظر عن دينهم أو مذهبهم أو عرقهم أو قوميتهم على مدى البسيطة. لذا لا بد من تفعيل مناسبة عاشوراء وقيم ثورتها المحقّة، وعولمتها، لكن بعقلانيّة تتعامل مع الحدث كتراث عالمي تاريخي لا كقضية مذهبية محدودة.

السابق
علي: لصيانة الحدود بين البلدين ومنع كل مظاهرالخلل والتهريب
التالي
بري احيا الليلة الاخيرة من عاشوراء في المصيلح