آيات الله القاهرة

 مرة أخرى فوجئنا وبقوة.
المفاجأة الاولى كانت عندما كشف رئيس لجنة الانتخابات النقاب عن النتائج الرسمية الجسيمة لجولة الاقتراع الاولى. فقد تبين أن الحديث لا يدور عن كتلة اسلامية بمعدل 40 في المائة، كما قدروا عندنا، بل بأغلبية ساحقة 60 في المائة، ثلثها للحركة السلفية، التي يقسم اعضاؤها على الاعراب عن معارضتهم لاتفاق السلام مع "العدو الصهيوني" حتى بالوسائل العنيفة. عن الاخوان عرفنا، ولكن انتصار السلفيين هو المفاجأة الكبرى. المفاجأة الثانية كانت غياب مظاهر القلق في واشنطن. مثلما في الانتخابات في غزة والتي أدت الى صعود حماس، فان البيت الابيض يصفق للمسيرة، يحلم بالديمقراطية ويظهر عدم اكتراث في ضوء الاثار الخطيرة.
قبل تسعة أشهر أسرنا بسحر وائل غنيم، الشاب الموهوب من التكنولوجيا العليا الذي نجح في أن يخرج ربع مليون شاب الى ميدان التحرير. وقد أمطرنا بالوعود بالثورة والديمقراطية، وبعد نحو اسبوعين دفعوه بعيدا عن الميدان في صالح الواعظ الاسلامي يوسف القرضاوي. ورويدا رويدا اتضحت القطيعة بين الشارع وبين الازقة العفنة. مليون ونصف تظاهروا في التحرير و 85 مليون آخرون احتشدوا في المساجد. هذا هو الشارع الصامت الحقيقي، الذي يهدد بالاستيلاء على السلطة. وقد عرفوا كيف يموهوا الذقون على نمط آيات الله وقدموا عرضا من البراءة أمام المجلس العسكري الذي وقع في الشرك الاسلامي.
ولكن من تجول في مصر في السنوات الاخيرة كان يمكنه أن يشخص بسهولة صعود قوة الاسلام الكفاحي. فوارق اجتماعية هائلة بين أصحاب الملايين والفقراء المتمردين، فساد في القيادة واستخفاف بالحقوق الاساس للمواطن حفز المظلومين، العاطلين عن العمل واليائسين ودفعهم نحو اذرع وعاظ الدين الذين وعدوا بان "الله هو الحل". 6 مليون غني، حزام الامان للسلطة، وحيالهم عشرات الملايين الذين حصلوا على رغيف خبز بالكاد في معيشة بائسة تحت خط الفقر، دولار أو اثنين في اليوم.
أما نحن ففضلنا رؤية العرض الكاذب، تخفي مصر: فمثلما ليست نيويورك كل امريكا، هكذا فان القاهرة والنوادي الليلية والراقصات الشرقيات الروسيات ليست الوجه الحقيقي لمصر. هذه الدولة غطيت بالحجاب قبل وقت طويل من سقوط مبارك، والعالم الواسع، بما في ذلك نحن، لم يلاحظ ولم يحذر. كان لنا حليف مريح في قصر الرئاسة، وهذا ما حسم الامر. اما الشارع المتلظي والذي يعج بالحياة في 40 ألف (!) مسجدا فلم يحصه أحد.
في هذا الواقع، مثلما يعد الاخوان بان يملوا على البرلمان فتح اتفاق السلام ويطالب السلفيون بالغاء الاتفاق، ليس لاسرائيل تمثيل دبلوماسي في مصر: لا توجد مكاتب سفارة بل وليس هناك سفير مدرب في مصر: السفير اسحق ليفانون عاد الى الديار، وبديله يعقوب اميتاي لم يرفع بعد أوراق اعتماده. وكل شيء مفتوح. لم يكن لقادة الجيش المصري مفر غير التكاتف مع الاخوان المسلمين؛ اقناعهم بالارتباط لمصلحة المستقبل الاقتصادي لمصر بالكتلة الليبرالية العلمانية، وأخذ أبناء الاقلية المسيحية – القبطية بالحسبان. اذا أصر الاخوان، فان الحكم المؤقت سيعود الى الطريقة القديمة، طريقة مبارك، وسيزيف جدا نتائج الاقتراع في الجولتين القادمتين. اذا لم ينجح لا في هذا ولا في ذاك، فان روح آيات الله في ايران ستسيطر على مصر. 

السابق
وضع علامات على يهود ووضع علامات على عرب
التالي
رسالة العنصرية