لماذا لا يحرر الأميركيون دمشق؟

في كلمته الترحيبية بنائب الرئيس الاميركي جوزيف بايدن في زيارته الأخيرة الى بغداد أعرب الرئيس العراقي جلال طالباني عن شكره وتقديره "لمن حررنا"! كما قال, أي أنه اعترف علنا وجهارا بالفضل الاميركي المطلق بوصوله ومجاميع الأحزاب الإيرانية المؤلفة قلوبهم لسدة الحكم في واحدة من اعجب وأغرب المتغيرات التاريخية والستراتيجية في الشرق القديم , ويبدو أن طالباني وهو يشكر بايدن ومن خلفه الجيش الاميركي الذي أطلق عليه صفة المحرر قد تناسى وابتلع تصريحاته السابقة لذلك الشكر بساعات والتي أعرب فيها عن خوفه وقلقه من سقوط نظام البعث السوري ورفض تدويل الملف السوري معتبرا إياه مسألة في غاية الخطورة كما قال, وأنا أتساءل وبجد حول الأسباب التي جعلت جلال طالباني يحلل التدويل والفعل العسكري الاميركي في العراق بينما يرفضه في بلاد الشام ؟ولماذا يكون "اليانكي" و"العم سام" وجنود الأطلسي "حلوين.. وطيبين .. وبنحبهم " في أرض السواد بينما لا يكونون كذلك في جلق الشام؟

لقد أكد تاريخ الديبلوماسية والحرب في الشرق الأوسط على أن الأميركيين هم وحدهم من أسقط النسخة العراقية لحزب البعث العربي الإشتراكي عن الحكم والسلطة في العراق ولولاهم لكان البعثيون يحكمون العراق حتى اليوم براحة ستراتيجية كبرى لا مثيل لها, فلماذا لا يكررون الفعل نفسه في دمشق ليدخلوا التاريخ على كونهم القوة الدولية الوحيدة التي أزاحت نظام البعث الذي هو في البداية والنهاية صناعة إستشراقية غربية كما نعلم وتعلمون؟في مديح طالباني للأميركيين مواقف انتهازية وانتقائية واضحة , فرفضه للتغيير في دمشق تخوفا من وصول "أصولية أموية " للحكم هناك هي مجرد تخرصات لا أساس لها من الصحة وهي "هرجلة" وهرطقة فكرية وسياسية فأحرار الشام لا يعانون من مرض التاريخ السلبي كما هو الحال مع أحزاب اللطم والتطبير العراقية ذات الأصول والولاءات والمنهجية الصفوية الفارسية , فهم يعيشون الحاضر وإشكاليات الحرية والتحرر والنظر الى المستقبل ولا يعيشون أبدا في سراديب القرن السابع الميلادي ولا يفكرون بأحوال امم قد إنتهت , وبأوضاع تاريخية أضحت مجرد تاريخ بعيد لا أثر له في صناعة الحاضر أو تقرير المستقبل, فمرحلة الفتنة الكبرى قد إنتهت منذ قرون سحيقة, والعقلية العبثية والتهريجية التي تسوس قادة نظام الطوائف في العراق هي من سخريات الوقائع وغرائب الأمور ومن الملفات السخيفة التي تشوه وجه العمل السياسي في العراق , وهي بضاعة استهلاكية انتهازية فاسدة انتهت صلاحيتها تماما , من الواضح إن الأمور والتطورات في سورية باتت تتجه نحو نهايات تدويل واضحة المعالم, فالنظام المتسلط الدموي العدواني لم يرع وهو ليس على إستعداد للتراجع عن خيارات التحدي الدموية لكل الجهود العربية المخلصة الهادفة الى انقاذ ما يمكن إنقاذه وتجنب جميع الأطراف لخيارات غير مرغوبة, كما أن النظام وهو يعيش لحظات التحدي التاريخية الفاصلة يعلم تماما ان طبيعته لا تسمح أبدا بأي إصلاح أو تطوير او تراجع , وإن القبول بالخيارات العربية والدولية معناه الانتحار السياسي لذلك لا يمتلك النظام من خيار سوى تصعيد المواجهة الى اقصى نقطة ساخنة لإرهاب جميع الأطراف ولإظهار العيون الحمراء والعصا الدموية لمعارضيه, إضافة لتفعيل الخيارات البديلة ومنها جذب النظام الإيراني لساحة الصراع, وجر لبنان من خلال مغامرات حسن نصر "خدا" لمواجهة دموية مكلفة للغاية مع إسرائيل قد تعوم النظام السوري وتخلصه من مصيره الأسود المتجه إليه بكل عنفوان!.

لا بديل بعد اليوم عن ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤوليته الأخلاقية والقانونية وردع النظام السوري عن جرائمه ضد شعبه , وإنهاء حكم البعث ونظامه العفن بكل الوسائل الممكنة, فصراخ الطائفيين قد بات مجرد حشرجات احتضار , ومصير بعث الشام سوف لن يختلف أبدا عن المصير الذي آل إليه نظام حزب بعث العراق, ويبدو أن التاريخ يكرر نفسه فعلا ولو بشكل مأساوي وتراجيدي مفجع, نهايات الفاشية كما علمنا التاريخ لا يمكن أن نكون إلا وفق سياقات عاصفة وتدميرية, وقد باتت كل الظروف مهيئة اليوم لتكمل القوى الدولية الكبرى المهمة وتنجز المطلوب… فلا حل سوى ذلك الحل… و"على المتضرر اللجوء للقضاء".  

السابق
لأ مشي الحال
التالي
تركيا من الكتاب الأحمر إلى الدور الأحمر