أحمد قبلان: تمرير تمويل المحكمة الدولية عبارة عن علقم ضروري

 تم إحياء الليلة السابعة من محرم في قاعة الوحدة الوطنية في مقر المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، برعاية نائب رئيس المجلس الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان، في حضور حشد كبير من علماء الدين، شخصيات سياسية، قضائية، عسكرية، تربوية، ثقافية، اجتماعية ومواطنين.

عرف بالمناسبة السيد حسين شرف الدين وتلا المقرئ أنور مهدي آيات من الذكر الحكيم، وألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان كلمة قال فيها: "من يتمعن حقيقة المواقف التي جرت زمن ثورة الإمام الحسين يدرك أن صراع القيم هو الذي تزعم تلك الوقعة العظمى، التي ما زالت إلى اليوم ترمي بثقلها على فكر وقيم ودواعي المدرسة الأخلاقية والمعاني الوجودية التي كرستها تلك التضحيات الجليلة، ففي اللحظة التي يخرج فيها رجل أزدي من معسكر ابن سعد، يدعى زيد، إلى الميدان، ويرى حد السيوف وصهيلها بالموت، قال: "لا والله ما جئنا لنقتل، وإنما أردنا الدنيا، وإنا لنعلم أن الحسين ديان الله، وباب دينه، فما أنا والموت". مقابله، كان رجل مشهور من قراء وفقهاء الكوفة، يدعى عابس الشاكري برز إلى الميدان فخشيه كثير ممن كان قبالته، لأنه كان على ساعد حاطم، وهو من أشهر فرسان أهل الكوفة، رمى الدرع من يده، ثم قال: "أما والله لتعلم عشيرتي وأهل محلتي أن نفسي علي عزيزة، وأني رئيس قومي، وعنوان محلتي، وأن نفسي مني لا أفرط بها إلا على ما هو أعظم منها، إني والله على بينة من ربي، فما الدنيا إلا موطن عابر، ومحلة مسافر، وقد دلتنا الآيات على ناظرها، وها هو ابن بنت رسول الله من الله على باب الجنة، دليل الله وحجته، ألا فتوبوا إلى الله، وانزلوا منازله، فإن من ضل باب الله تبوأ الخسران".

وتابع: "تلك هي أول المنازلات التي أرخت حقيقة هذا النحو من مدرجة الدم الحسيني، لأن فقه الحياة وأكلاف الوجود، وثمن الكمالات لا بد من أن تتوقف على أثمان باهظة، تتكللها الدماء الزكية، والرؤوس العلية، وهذا ما حصل في كربلاء. أيها الإخوة، وضبطا على هذا المعنى لقد ورد في الوصايا اليونانية القديمة فقرة قررت أن الخلق ذوات من جوهر واحد، إلا أن درجتها من هرم الكمالات موقوف على أثمان دورها، ومهر وجودها، ولا شيء أعظم من مهر الدماء، وهي حكمة قوية اللسان، مستجمعة البرهان، ولنا في الطفوف أمثلة كثيرة، ففي مناظرة الليل الأشهر قبيل يوم العاشر، عرض عمر بن سعد على الإمام الحسين أن يبايع ليزيد، مقررا أن الأمر لا يعدوك، وأن رجال أهل الإسلام لو وزنت لفقتها وزنا، فأنت أنت، وهل يعدل بسيد أهل الجنة أحد". فأجابه الإمام الحسين بأن مثقال دم في الله هو أعظم من الدنيا وما أطبقت عليه، فرجع ابن سعد وهو يقول: ليس في الدهر أعظم من حسين".

وقال: "هو نفسه حينما رأى الإمام الحسين يهوي عن ظهر الفرس، لما أصابه ذلك السهم المثلث المسموم، بكى، فقال له ابنه حفص: أتبكي! فقال: كيف لا أبكي وأرى الحسين يتمايل على ظهر الفرس يمنة وشمالا". هذا يعني أيها الإخوة أن رمز السلطة والقاتل يعيش عقدة الخوف، فيما رمز الدم الإلهي يعيش أعظم تجليات النور والمفاخرة. وفي مقررات الشيخ المفيد (رحمه الله) أن الإمام الحسين لما نزع ذلك السهم، أخذ من تلك الدماء الدافقات فخضب بها وجهه المبارك، ثم خضب عمامته، ثم أخذ مرة أخرى ورمى بكلتا كفيه إلى السماء وقال: "هكذا أكون حتى ألقى جدي رسول الله وأنا مخضب بدمي مغصوب علي حقي"، وقال:"فوالله لقد سمعنا نشيج القوم في معسكر ابن سعد انكسارا على الحسين رغم أنهم القتلة". وفي مفردات الثورة الحسينية أرخ الحسين أن الذات البشرية رهينة خلافتها وعلى معقل مسيرتها إلى الله، وأن السلطة ومقاليد الحكم محنة الحاكم والمحكوم، وأن السيف كما يمكن أن يكون نصرا يمكن أن يكون كسرا، وأن الرعية على محلها من محنتها فإن هي سكتت على ظلم حشرها الله مع ظالمها، وإن هي خرجت على ظالم وتكلفت أثمان خروجها فقد أخذت باب الجنان من سعته".

اضاف: "على أن مشروع الدولة والحكم والنظام في المفردات الحسينية، لا يعدو مصالح الإنسان، المصالح التي تتقاطع حاجاته الوجودية، التي تتأسس على هرمية النَّظم الإلهي، ولأن هذا المعنى رئيسي في فقه الثورة الحسينية، فإنه لم يقبل من مروان بن الحكم مساومته قائلا: "على الإسلام السلام إذا ابتليت الأمة براع مثل يزيد، خمير سكير فاجر ملاعب القردة قاتل النفس المحترمة"، وهذا ما دفع مروان لأن يقول بعد مقتل الحسين: "قتلناه وإنا لنعلم أنه لا يوجد على وجه الأرض خير منه"، مرددا:"أنى يأتي الزمان بمثل الحسين وأنى تلد النساء بمثل الحسين". وبهذا أسس الإمام الحسين أن دولة الله وكمالات النظم موقوفة على كمالات الذات الإنسانية، وخدمة مصالحها".

وتابع: "عليه، فإن أي نظام فاسد أو زعامة فاسدة، لهي أخطر الدواعي الهادمات لأمر الله، ومشروعات الخلافة الحقة على الأرض، وقد قيل أيها الإخوة: من ائتمن الفاسد فقد أفسد، ومن أبطل أمر الرعية فقد جاهر الله بالعصيان. وهذا يعني أن واجب الله موقوف قبل كل شيء على الرعية، بل مدارات شرعية النظام والحكم موقوفة على ميزان الانتصاف للرعية، فيما الرعية مأخوذة بالواجب الأخطر، والمسؤولية العظمى، فإن هي خذلت الحق، وتلكأت عن الانتصاف للقيم، وتركت يد الظلم على سلطانها فقد أسست لمذبح أمتها، وشعبها، وخذلت الله ربها، وهذه أسوء المعاصي في صحف الله تعالى. وفي الفقه الحسيني، أن المفاسد بيت، مفتاحها تكريس الظالم، وهذا ما يعنينا في لبنان، فبلد كلبنان، شكل أسطورة التضحيات، وقدم أهله ومجاهديه دروسا في الدم والجهاد، هذا اللبنان لن يقبل أي شكل من أشكال الفساد السياسي أو الاجتماعي، وعما جرى أخيرا بموضوع تمرير تمويل المحكمة الدولية، فقد كان عبارة عن علقم ضروري كما ادعو لشراء الاستقرار في لبنان، عل من يراهن على الأممية يفهم أن الوطنية هي مصلحة بلد وشعب، وليست زعامة صفقات تعوم على مطاعن شهادات الزور والفبركات الدولية الاقليمية، ومع ذلك فإننا نطالب من يركبون فرس التدويل بأن يفتشوا عن مصلحة لبنان بين اخوانهم واهلهم وشركائهم في الوطن وليس بين صفقات الاستثمار العابر، وتذكروا جيدا أن هذا اللبنان حطم حلم الأطلسي الاستراتيجي ما بعد العام 1982 وسحق أركان العظمة الإسرائيلية في حرب تموز 2006، وها هو اليوم على تقاطع خطير وسط معركة قرار دولية إقليمية في ما يتعلق بالملف السوري. وبخصوص هذا الملف نقول للتركي ولى زمن العثماني المتعجرف الى غير رجعة فكفاك انبطاحا للغربي وارجع الى رشدك ان كان في خلدك ان تحافظ على بقية المصالح الاسلامية الاقليمية".

وتوجه الى "القطري الممسك بدفة سفينة المؤامرة على سوريا" قائلا: "احذر الغرق في مهاوي ما تجني يداك لان طابخ السم آكله، فاسكن الى الحكمة والوعي قبل أن تأتي الساعة التي لا ينفع معها ندامة. من هنا، فلن نقبل لبلدنا، لهذا البلد المقاوم إلا أن يكون بمقدار قيمة الشهداء والمجاهدين، الذين حولوا لبنان من بلد الهزائم، لبنان القوي في ضعفه، إلى عاصمة المقاومة والانتصارات الإلهية، الى البلد القوي بمجد وقوة مقاوميه، ومن بلد التجارب والرسائل الدولية إلى مهد صناعة السيادة والحرية والأخلاقيات".

وختم قبلان: "اذا كان فقه الدولة يعني السلطة، فإن فقه الحسين يعني سلطة الأمة، التي تأبى الطاعة إلا لله والحق الإلهي، وتلك آية الشرف، وعظمة النور، وعلة الفخر الأبدي".

واخيرا، تلا السيد نصرات قشاقش السيرة الحسينية. 

السابق
المشنوق: خطاب نصرالله مأزوم وتمويل المحكمة تم بقرار من الأسد
التالي
انفجار موقع تطوير الصواريخ الباليستية قرب طهران لم يبطىء برنامج الصواريخ