هل سينام حزب الله على صورة المهزوم؟

…وهكذا أنقذت دمشق «حكومتها» و»أكثريّتها»، وفقاً لقصيدة نزار قبّاني «… ونَسِيتُ حِقدي كلَّهُ في لحظةٍ، مَن قال إِنّي قد حَقدْتُ عليهِ؟» وتبيّن أنّ «حزب الله» قد مرّر فعلاً «قطوع» التمويل، كما لم يتوقّع إلّا القليلون! لكنّ «الحزب» لن يقبل بصورة المهزوم. ولا سوريا تقبل بإظهاره مهزوماً. وثمّة مخارج مرسومة للأيّام المقبلة.
هناك شيء لا بدّ أنّ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تنتظره بعد "همروجة" التمويل، وهو إخراج "حزب الله" من صورة المهزوم، أو الموافق على المحكمة. وهذا جزء من التسوية. فالرئيس نبيه برّي لم ينجز التسوية على حساب "حزب الله". وستكون لـ"الحزب" خطوات ومبادرات داخل مجلس الوزراء وخارجه، لإفهام قواعده ومناصريه بأنّه لم ينكسر في مخرج التمويل، ولم يعترف بالمحكمة الدوليّة، ولن يعترف. وهناك من يتوقّع أن تتبلور لاحقاً صورة الوعود التي أعطيت لـ"حزب الله" من أجل ذلك. وحتى العماد ميشال عون يطمح، كالمعتاد، إلى الحصول على جوائز ترضية، بعد الدور الحماسيّ الذي تبرّع به في المواجهة الأخيرة.

الأوساط الحكوميّة المحسوبة على الجوّ "الوسطي" تنفي أن يكون ميقاتي قد وعد أحداً بأيّ شيء. فالتمويل ليس مطلباً خاصّاً به ليدفع ثمنه. كما أنّ حجم الوعود المنسوبة إلى رئيس الحكومة في مجال المحكمة داخليّاً وخارجيّاً بات كافياً، ولا ينقصه زيادتها.

التمويل لم ينتهِ فصولاً؟

إلّا أنّ المصادر السياسيّة المواكبة لملفّ التمويل تؤكّد أنّ "حزب الله" لم يوافق إلّا على المخرج الذي لا يوحي بتنازله عن موقفه الرافض للمحكمة. فالرئيس ميقاتي أرضى المجتمع الدوليّ بإيفاء المحكمة حصّة لبنان من التمويل. و"حزب الله" لا يمانع في ذلك. لكنّ الخطوة تحقّقت من خارج مجلس الوزراء. وهذا يعني أنّ السلطة التنفيذية المعنيّة بتمثيل لبنان في عملية التمويل، والتي يشارك فيها "حزب الله" وحلفاؤه، لم توافق بعد على التمويل. وتالياً، سيكون مجلس الوزراء في أوّل جلسة يعقدها، الأرجح بعد عاشوراء، أمام استحقاق إقرار دفع هذا المبلغ وتمريره وفقاً للأصول الدستوريّة، لئلّا يكون عرضةً للطعن الدستوريّ، عندما تزول مفاعيل "السكرة التوافقيّة" التي أنجزها برّي بمعاونة رئيس الجمهورية والنائب وليد جنبلاط.

فالرئيس ميقاتي أعلن أنّه "حوَّلَ" حصّة لبنان من التمويل. وبقيت التفاصيل طيّ الكتمان والغموض والمعلومات المتناقضة التي صدرت عن وزراء ونوّاب ورئيس الهيئة العليا للإغاثة. ولذلك، بقيَ أمر "التحويل" ملتبساً. وسكت الجميع على هذا الالتباس إلى أن يحلحل المخرج الدستوري في مجلس الوزراء. وهناك ستوافق الغالبية، وكذلك وزير العدل المنتمي إلى تكتّل العماد عون.

فالمشكلة لم تكن يوماً في التمويل تحديداً، لأنّه مسألة هامشيّة في عمل المحكمة. ويدرك "حزب الله" أنّ نظام المحكمة ينصّ على بدائل إذا تعذّر الحصول على حصّة لبنان من هذا التمويل. ومن هنا، قال الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله قبل فترة، ومثله العماد عون، "فليموّلوا المحكمة من جيبهم الخاص". وهذه الإشارة ليست تهكّمية بالكامل، بل تحمل إشارة واضحة إلى أنّ مسألة التمويل ليست مهمّة في ذاتها، بل في ما تؤشّر إليه من اعتراف "حزب الله" بالمحكمة.

خلافاً لما يوحي به المشهد، فإنّ ملفّ التمويل لم تنتهِ مفاعيله بعد. وقد تُثار لاحقاً إشكاليّة دستورية في هذا المجال، ليقول "حزب الله" إنّه لا يعترف بالمحكمة. وهو لو وافق اليوم على أيّ مخرج لا يستوفي المواصفات الدستورية، فإنّه سيخبّئ الطعن كورقة صالحة للاستعمال إذا سمحت الظروف لاحقاً. ويشبه ذلك التلويح الذي يلجأ إليه البعض "عند الحاجة"، بطرح دستوريّة انتخاب الرئيس ميشال سليمان من دون تعديل دستوريّ.

متاعب الحكومة مع المحكمة قائمة على حالها. والمجتمع الدولي ينتظر: كيف سيمرّ التمويل في مجلس الوزراء؟ وإذا ما ظهر استمرار المشكلة على حالها، فهذا يعني للمجتمع الدوليّ أنّ السلطات الرسميّة اللبنانية ليست موافقة، أو متوافقة، على المحكمة. وهذا ينفي قول كبار المسؤولين عن "الالتزام" أو"الاحترام". وسيكون ذلك رسالة مهمّة في ما يتعلّق بالسؤال الذي تطرحه المحكمة على لبنان: هل هناك عدم قدرة أم عدم رغبة لتسليم المتّهمين الأربعة؟ فقرينة عدم التوافق على التمويل تدين لبنان في ملفّ التسليم. قنبلة التمويل الموقوتة جرى وقف تسارع عقاربها نحو الانفجار، ولكن لم يجرِ تفكيكها تماماً. وصاعق التفجير قائم، وسيكون جاهزاً لاستعادة المشهد في آذار المقبل حدّاً أقصى، عندما يحين التجديد لبروتوكول التعاون.

لن يستطيع الرئيس ميقاتي مواجهة المأزق عينه، إلّا بالطريقة عينها، إذا بقي كلّ شيء في لبنان… وسوريا خصوصاً، هو عينه. وحتى آذار سيمرّ شتاء عاصف جدّاً.  

السابق
البناء: نصر الله يُحذِّر من خطورة التحريض المذهبي: طابخ السُّم آكلُهُ
التالي
الإسلاميون والديمقراطية السورية