معوض: لهذا قتلوا والدي..

قلّة من الناس قرأوا في لحظة اغتيال الرئيس شهيد رينيه معوّض أنّه اغتيال لمسيرة الوفاق الوطنيّ التي أقِرّت في اتّفاق الطائف، وهذا تحديدا ما عادت وأظهرته الأحداث اللاحقة، لأنّه ممنوع على الدولة أن تستعيد حضورها وقرارها وفاعليّتها، من أجل إبقاء لبنان ساحة لا وطناً. ومن أجل الإطاحة باتّفاق الطائف، كان لا بدّ من إلغاء الشهيد معوّض.
لكن المحكمة الدوليّة جاءت لتضع حدّاً نهائيّا لها وللجريمة السياسيّة، كما جاءت ثورتا الربيع اللبنانيّ والربيع العربيّ لتطيحا بهذه الأنظمة التي كانت وراء «نكبة» لبنان.

وعشيّة الذكرى الثانية والعشرين لاستشهاد الرئيس رينيه معوّض، التقت «الجمهورية» نجله المحامي ميشال رينيه معوّض أو «ميشال بك» كما يحبّ مناصروه مناداته، وهو رئيس «حركة الاستقلال» التي حملت المشعل وراحت تكمل مسيرة الوالد الوطنيّة والميثاقيّة، وكان هذا الحديث:

•هل تختلف الذكرى الثانية والعشرون لاستشهاد الرئيس رينيه معوّض عن سابقاتها؟ وكيف؟

– بعد مرور 22 سنة على اغتيال رينيه معوّض هناك ذكريان تتميّزان عن الأخريات. الذكرى الأولى هي سنة 2005 حين أسقطت ثورة الأرز نظام الوصاية، أي حين سقطت المعادلة التي اغتالت رينيه معوّض واستهدفت اتّفاق الطائف. إلّا أنّ ثورة الارز ومشروع العبور الى الدولة أجهِضت مفاعيلهما بالإرهاب وقوّة السلاح.

واليوم، وبعد 22 سنة، فإنّني أعتبر أنّ الذكرى هذا العام تختلف عن سابقاتها، لأنّ النظام الذي اغتال رينيه معوّض يسقط. ممّا يسمح بإعادة الاعتبار، ليس فقط الى الرئيس رينيه معوّض ومعاني استشهاده، بل ايضا الى المشروع الذي مثّله، أي قيام الدولة الفعليّة السيّدة الحرّة المستقلة انطلاقا من اتّفاق الطائف.

•هل عنوان الذكرى «ربيعنا زهّر… حلمك عم يتحرّر» يتّصل بالربيع العربي والآمال المعلّقة عليه؟

-حتماً، إنّ الشعار واضح «ربيعنا زهّر» ونعني بذلك أنّ الربيع اللبناني الذي تمّ إجهاضه بقوّة السلاح في الداخل يزهّرعربيّا. و»حلمك يتحرّر» هو ربط الربيع العربيّ بإعادة إحياء ثورة الارز، أي إحياء لبنان رينيه معوّض ولبنان الطائف الذي تمّ استهدافه من نظام الوصاية السوريّ، ان كان عبر اغتيال رينيه معوّض أو استهداف ثورة الارز.

•هل يشكّل الربيع العربي المدخل للخلاص الوطني اللبناني؟ وهل الرهان على هذا الربيع يعتبر تدخّلا في الشؤون الداخليّة للدول العربيّة؟ وماذا عن سياسة تحييد لبنان التي رفعتها 14 آذار؟

– دفع لبنان ثمنا باهظا منذ العام 1969 نتيجة تدخّل أنظمة العسكريتاريا العربية بشؤونه الداخلية واستهدافهم للنموذج اللبناني الديمقراطي. ونأمل من الربيع العربي أن يؤسّس أيضا لنموذج جديد في العلاقات العربية – العربية مبنيّ على علاقات ندّية بين دول سيّدة مستقلة، وعلى الاحترام والتفاعل الايجابيّ . كما كان الحال تاريخيّا في أوروبّا الغربية بعد سقوط النازيّة، وفي أوروبّا الشرقية بعد سقوط الاتّحاد السوفياتي.

إنّ تعاطفنا مع الربيع العربيّ ومع حرّية الشعوب في أن تقرّر مصيرها، ووقوفنا المعنويّ الى جانب الحرّية والديمقراطية في وجه القتل والطغيان، ليس أبدا تدخّلا في شؤون الغير. إنّ التدخّل لا يكون بإبداء الرأي بل بتدبير الاغتيالات وتسليح الميليشيات ودعم الارهاب والبؤر الامنية في وجه الدولة، وانتهاك السيادة كما مارس علينا النظام السوريّ. فكلّ ما نأمل به أن يؤسّس الربيع العربي لمرحلة تضع حدّا لتدخّل الآخرين في شؤوننا. أكرّر بأنّنا نعتبر بأنّ الربيع العربي قد يشكّل فرصة حقيقية لعبور لبنان الى الدولة. ولكنّ ذلك لا يعني أنّنا نراهن على الربيع العربي، بل إنّنا ننظر اليه بعين من الأمل. فلم ننتظر ثورة الشعوب العربية لنبادر الى الانتفاضة من أجل لبنان. فلا بدّ أن نتذكّر أنّ ثورة الأرز هي التي أطلقت شرارة الربيع العربيّ وليس العكس.

لا شكّ أنّ مصلحة لبنان العليا تقضي بحياد لبنان الإيجابي وبالتزامه الشرعيتين العربية والدولية. ولكنّ الحياد لا يعني أبداً أن يقف لبنان وحيدا مع نظام يتهاوى في وجه الشعب السوريّ والإجماع العربي وشبه الإجماع الدولي، كما تفعل هذه الحكومة.

هل الظروف السياسية التي أدّت إلى اغتيال الرئيس معوّض في طريقها إلى الانتفاء، ومن هنا كلامكم عن «الحلم الذي يتحرّر»؟

طبعا، إنّ الظروف التي أدّت الى اغتيال رينيه معوّض تنتفي مع سقوط النظام الذي طالما رفض النموذج اللبناني، خصوصا أنّ اغتياله لم يكن يوما اغتيالا لشخص، إنّما استهدف اتّفاق الطائف ببعده اللبناني والعربي والدولي. فهذا الاغتيال استهدف في آن واحد مشروع مصالحة اللبنانيّين على أُسس الميثاق والصيغة والدولة والنظام التعدّدي الحرّ، كما استهدف مشروع مصالحة تاريخيّة بين لبنان وسوريا على أُسس الندّية واحترام سيادة واستقلال الدولتين، كما استهدف ايضا مشروع إعادة الاعتبار الى لبنان وطن الرسالة المتفاعل مع محيطه العربي والمنفتح على الغرب. فاغتيال الرئيس رينيه معوّض أدّى الى تحويل لبنان من مشروع وطن متماسك الى ساحة ممسوكة.

هل تعيد المحكمة الدوليّة، التي لا تشمل الشهيد معوّض، الاعتبار المعنويّ لهذه الشهادة؟ واستطراداً هل ثمّة ترابط بين اغتيال الرئيس معوّض واغتيال الرئيس رفيق الحريري وسائر شهداء انتفاضة الاستقلال؟

المحكمة ستعيد بالتأكيد هذا الاعتبار. فرينيه معوّض ورفاقه لم ينالوا حقّهم في محاكمة قتلتهم لأنّ النظام الذي اغتال معوّض هو نفسه الذي حكم لبنان بعد اغتياله وعطّل العدالة في ملفّ اغتياله. من هنا، فإنّ تأييدنا للمحكمة الدولية نابع من اعتبارنا أنّ الأسباب ذاتها والجهة ذاتها (كنظام أو كمحور) هي المسؤولة تخطيطا أو تنفيذا عن كلّ هذه الاغتيالات، والوصول الى الحقيقة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وشهداء الاستقلال الثاني سيؤدّي تلقائيّاً إلى إنصاف الرئيس معوّض ورفاقه، كما إلى إنصاف قافلة من الشهداء من رياض طه وسليم اللوزي، مروراً بكمال جنبلاط وصولاً إلى الرئيس بشير الجميّل والمفتي حسن خالد وناظم القادري وداني شمعون. كما نأمل مع سقوط النظام السوريّ أن تظهر الى العلن حقائق لا زالت مستورة حتى الآن.

ماذا تنتظر من هذه المحكمة؟ وهل تتوقّع أن تشكّل رادعاً للجريمة السياسيّة؟

ننتظر من هذه المحكمة إحقاق الحقّ ومعاقبة القتلة الذين اغتالوا وساهموا في اغتيال خيرة أبناء هذا الوطن من قادة سياسيّين ورجال دين ورجال فكر. كما أنّنا نأمل أن تضع هذه المحكمة التي شكّل قيامها سابقة في العالم العربي، حدّاً للاغتيال السياسيّ، وأن تحمي نظامنا الديمقراطي. فلا حرّية ولا ديمقراطية طالما إنّ الجريمة السياسيّة ما زالت مشرّعة.

ماذا تقول للرئيس الشهيد في ذكرى اغتياله؟

بعد 22 سنة من الظلم والقهر، أقول له وللرفاق الذين استشهدوا معه «ربيعنا زهّر، حلمك عم يتحرّر».

هل انهيار النظام السوريّ يعني انهيار منظومته في لبنان؟

هذا أمر طبيعيّ وحتميّ.  

السابق
نقولا نحاس: الحكومة متماسكة ولم تتغير
التالي
بزي: تسوية الامس انتصار للبنان قدرنا التوافق والابتعاد عن لغة التحريض