الإسلاميون والديمقراطية السورية

الديمقراطية والمواطنة والقانون, مادة خام تصبح ملاطا صلدا, لأي دولة ليبرالية, لأنه مهما حاولنا أن نعيد قراءة الدولة ونظريات نشوءها, ومن ثم الدولة الحديثة والمعاصرة, سنجد أننا نقف أمام النموذج البرجوازي للدولة, لم يستطع العالم حتى اللحظة إنتاج نموذج آخر ولدولة أخرى أرقى بالمعنى المنتج للحريات والحقوق ولدولة القانون من هذا النموذج.

الثورة السورية الآن تدور معانيها المعبر عنها بكل الوسائل والطرق والخطابات, حول هذا النموذج لكي تكون سورية المستقبل عليه. ولا يبتعد الاسلاميون في سورية عن هذا الخطاب, ما يمنع قيام هذه الدولة في سورية بشكل أساسي هو النظام السياسي القائم على ثلاثية الديكتاتورية المشخصنة, واحتياز الثروة بكافة الوسائل المتاحة والتي لاتجد مفرا من الفساد لكي تحوز عليها, وتغييب المجتمع عن المشاركة بالوسائل كافة القمعية والتمييزية الاثنية والطائفية والدينية, والتي من شأنها أن تشرذم المجتمع, وهذا ما تحاول الثورة السورية تجاوزه الآن, ومايحاول النظام بالقتل وتدمير المجتمع من جديد, مستعينا بكم هائل من المصالح المتواطئة معه في الداخل والخارج, من اجل منع قيام دولة سورية كباقي دول العالم, مبنية على القانون والديمقراطية والمواطنة.
عندما يندمج الدافع الديني في جملة الدوافع الما بعد دينية التي دفعت الشباب السوري لكي يقدم نفسه قربانا لحرية سورية, وبشكل نتج عن ديمقراطية المعنى المعاصر في نشر المعرفة السياسية والتي استخدمت الثورة المعلوماتية وسيلة, ديكتاتوريات المعنى قد تم تعريتها جميعا بعد هذه الثورة المعلوماتية, والتي لم تعد قادرة على البقاء محاطة بهالات من القداسة سواء كانت الدينية أم الوضعية.

هذا الدافع الديني الذي يعزز مفهوم الشهادة من أجل الحرية لسورية, وليس من أجل ثقافة تيار واحد سواء كان اسلامي أم غير اسلامي, وليس من أجل فئة أو شريحة أو طائفة أو اثنية من السوريين, بل من أجل الشعب السوري كله, يصبح لزاما علينا تناول الدافع الديني ضمن منظومة انوجاده هذه وفعاليته التاريخية على الارض وأين تصب? وهذا ما يحاول النظام ومعه من معه من معارضة جعلت بينها وبين الثورة مسافة, لم تستطع ردمها حتى اللحظة, فإذا كانت المعارضة مقسومة على نفسها فإن قسما منها لايزال يخاف من الفوضى, ومن الاسلامية المتشددة, فانفصل عن الشارع وعن دماءه, والمجلس الوطني الذي يعتبر نفسه معبرا عن الشارع لأنه مطلب الشارع لايزال يتأتئ في قطع المسافة بينه وبين الشارع, وكلهم ينطلقون من بداهة ضمنية خلبية, وهي: أن الشارع جاهل سياسيا, لأننا تربينا على ديكتاتوريات المعنى الشمولي: قوميا كان أم يساريا أم اسلاميا..معارضة تخلو من تيار ليبرالي قوي يمكن ان نجد له تصنيفا, للمرة الاولى يبدو لنا في الخط السوري المشتق من الخط المغاربي والتونسي السابق اقصد تجربة بن علي, يوجد لدينا علمانية ضد الليبرالية, العسكر ضد المجتمع. والمعارضة هذه تتنازعها حتى اللحظة شموليتها هذه وانفتاحها على المعنى الذي يجسده الشباب الثوري على الارض. هذا الشباب الذي يريد تعدد المعنى والاعتراف بهذا التعدد.
الشارع لم يتجاوز المعارضة فقط بأنه نزل إلى التظاهر بمواجهة الرصاص الحي وقدم حياته, بل تجاوزها بأنه حاصرها في أوكارها متلبسة على يباسة المعاني وآحاديته وعدم اعترافها بتعدديته, والتي تدور حولها منذ أكثر من اربعة عقود, ورغم ما قدمته هذه المعارضة من تضحيات جسيمة.اعتقد انه آن الاوان للتيار الاسلامي السوري أن يتفهم هذا المعطى وينطلق نحو رحابة المواطنة والديمقراطية, كما هي الحال في تركيا وتونس والمغرب الآن, وينفتح على التيارات الأخرى من أجل تشكيل كتلة وطنية ديمقراطية, تؤمن بالدولة الوضعية التي تحدثنا عنها اعلاه, ويتحول إلى حالة استقطاب ديمقراطية مواطنية حقوق انسانية, مستفيدا من فضاء الثورة, والتخلي عن المعنى الآحادي السابق لتواجده السياسي, بما هو تواجد يقتصر على ابناء الطائفة السنية من الشعب السوري, وبأفق سياسي يحاول أن يستمد شرعيته من النص الديني فقط! وهذه تخص أكثر ما تخص جماعة الاخوان المسلمين في سورية والتي لاتزال لم تقطع مع الموروث الآحادي والدعوي لها كجماعة…أمام "الاخوان" فرصة تاريخية الآن للمساهمة بتشكيل مثل هذا التيار الديمقراطي المواطني, مستفيدة من التجارب السالفة الذكر وحتى من تجربة الاخوان الجديدة في مصر, لأنه يعد من الضمانات التي تساهم في انتقال سوري آمن نحو دولة ديمقراطية بعد سقوط نظام الاجرام هذا,إعادة انخراط جديدة للاخوان المسلمين وفق المعطيات الجديدة للثورة والمؤسسة على ملاط الديمقراطية والمواطنة والقانون..فهل يستجيب الاصدقاء في الجماعة لهذا الأفق?

وانا لا اتحدث منطلقا من قضية الخوف من الاسلاميين على مستقبل سورية, لأنها فزاعة باتت ممجوجة وسخيفة بل انطلق من مصلحة حرية سورية المستقبل التي يدفع شبابنا دمه ثمنا لها. وايضا على الاطراف الأخرى والشخصيات المعارضة أن تساهم في تعزيز هذا الأفق لدى الجماعة ولدى السوريين عموما, فثورتنا تستحق أن ترى مستقبلها حرا بعد آل الأسد.
كما أنني لا اتحدث منطلقا أيضا من قضية خوف الأقليات ككذبة أخرى تخفي تحتها عداء للثورة واصطفافا مع نظام القتل سواء كان اصطفافا معلنا أم مبطنا..لأنه حتى لو كان هذا الخوف موجود فإنه يفسر بعض الظواهر لكن لايبرر ولا تحت أية حجة الوقوف خلف نظام القتل هذا.
الأفق الديمقراطي المواطني هو الحل الذي يتيح تعدد المعاني والقبول بها..كحق للجميع في بناء سورية المستقبل على قاعدة الاختلاف والتنافس السلمي الحر..إنها الثورة السورية.  

السابق
هل سينام حزب الله على صورة المهزوم؟
التالي
ارحل يا بشار