ميقاتي يكسب بالجملة والآخرون بالمفرق

في اللحظة التي كان فيها الرئيس نجيب ميقاتي يتلو على اللبنانيين قراره بتمويل المحكمة الدوليّة من موازنة رئاسة الحكومة، كانت مكاسبه السياسيّة قد بدأت تتكدّس، وسيكون أبرزها يوم السبت بعد اجتماع المجلس الإسلامي الشرعي

يُمكن رسم مشهد كاريكاتوري لقوى 14 آذار وهي تتابع المؤتمر الصحافي للرئيس نجيب ميقاتي من السرايا الحكومية. ارتباك وضياع، والكثير من الشتائم لميقاتي كُبتت في القلب أو قيلت في جلسات مغلقة. البيان الأولي الصادر عن تيّار المستقبل وقوى 14 آذار يوحي بهذا المشهد: «أم الصبي»، أي تيّار المستقبل، رحّب بخطوة التمويل ووصفها بالـ«خطوة في الاتجاه الصحيح». لكن كان للأمانة العامة لـ14 آذار موقف آخر؛ فهي استنكرت «الصيغة التي هُرِّب بها التمويل». ارتباك قوى 14 آذار مفهوم؛ فميقاتي وجّه ضربتين لهذا الفريق في ظرف أسبوع. أفشل مهرجان طرابلس يوم أعلن نيّته الاستقالة، ثم دفع معارضيه إلى الإفلاس، وحرمهم قضيّتهم يوم أقرّ التمويل.
في المحصلة، بات بإمكان رئيس الحكومة أن يجلس في منزله ويُراقب ما سيحصده في الأيّام المقبلة. لا تزال التداعيات الإيجابية لزيارة البطريرك بشارة الراعي تتراكم؛ فيوم أمس سمع النائب سليمان فرنجيّة حرصاً من الراعي على ميقاتي، ودعوة إلى دعمه لأنه الرجل الأفضل في هذه المرحلة، كما يقول الراعي.

أمّا يوم السبت، فسيحمل أفضل بشارة لعطلة نهاية الأسبوع لميقاتي: سيجتمع المجلس الإسلامي الشرعي، في جلسته الأخيرة قانونياً قبل نهاية ولايته الممدة أصلاً، ومن المتوقّع تمديد ولايته مجدداً، بسبب مطالبة رؤساء الحكومة ـــــ الحالي والسابقون ـــــ بذلك، وسيكون هذا التمديد من خارج جدول الأعمال. وسيحمل البيان الختامي للمجلس إشادةً ودعماً كبيرين لميقاتي. وسيعدّه المجلس الشرعي حامياً لحقوق الطائفة ومدافعاً عن العدالة. وبذلك، يكون ميقاتي قد استكمل غطاءه الطائفي بالكامل، وهو الذي رسم صورة لنفسه كالسُّني الأوّل.ليست هذه هي مكتسبات ميقاتي فقط. هو الذي استطاع إطالة حياة حكومته في مرحلة كان من الصعب على أيٍّ من الفريقين أن يؤلّف فيها حكومة. تسوية التمويل تضمن لحكومة ميقاتي أسلوب عمل مختلفاً عمّا سبق. الاتفاق الذي أقرّ التمويل يتضمّن السير بالأولويّات التي يطرحها تكتل التغيير والإصلاح من مشاريع إنمائيّة سيكون على رأسها في القريب العاجل ملف تصحيح الأجور الذي أنجزه وزير العمل شربل نحّاس ورفعه إلى رئاسة الحكومة. وبحسب الأصداء المتواترة من السرايا الحكومية، سيسير ميقاتي بهذا المشروع، وهو ما ينعكس إيجاباً على صورة الحكومة داخلياً. وبعبارات مختصرة، فإن التوجّه هو لأن تكون الحكومة أكثر إنتاجاً في المرحلة المقبلة، من دون التخلي عن طريقة ميقاتي في إدارة الملفّات.

ربما لم يُقرّر ميقاتي أن تأتي كلّ الأمور الإيجابيّة في وقت واحد، لكن هذا ما يحصل. يُريد رئيس الحكومة قانوناً للانتخابات يرتكز على النسبيّة، وهو الأمر الذي ينال تأييداً لدى التيار الوطني الحرّ وحزب الله وحركة أمل، ودونه عقبات منها النائب وليد جنبلاط. لكن الإضافة التي باتت متوافرة لميقاتي اليوم هي موقف البطريركيّة المارونيّة الداعم لقانون يعتمد على النسبيّة والدوائر المتوسطة. فالراعي يُعبّر في مجالسه الخاصّة عن أنه لا يُمكن رفض قانون اللقاء الأرثوذكسي، لكن لا يُمكن في الوقت عينه عدّه خياراً وحيداً؛ فالراعي شبه مقتنع بأن الطوائف الأخرى سترفض قانون اللقاء الأرثوذكسي، لذلك «يجب توفير البديل المسيحي حتى لا يبقى الأمر محصوراً بقانون الستين. وهذا البديل، بحسب ما يُنقل عن زوار بكركي، سيكون قانوناً انتخابياً يعتمد على النسبيّة والدوائر المتوسّطة، وهو ما سيمنح ميقاتي فرصة تقديم إنجازٍ جديد، من خلال إدخال تعديلات جوهريّة على قانون الانتخاب. في أحد الأيام كتب أحد صحافيي 14 آذار أن من أبرز مقومات حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، هو دعم البطريركيّة المارونيّة ودار الفتوى، واليوم بات دعم هاتين المؤسستين يصب في خانة ميقاتي.

راهن ميقاتي على أنه لا بديل لحكومته وكسب الرهان. لم يكسر حزب الله، لكنّه لم ينكسر، وخرج قوياً من معركة التمويل، مثلما خرج سابقاً قوياً من جميع المعارك السياسيّة التي خاضها مع حلفائه وأبرزهم النائب ميشال عون. فمن حجم حصّة عون في الحكومة، إلى الحقائب التي يُريدها تكتل التغيير والإصلاح، وأسماء وزراء التكتل والموظفين المقربين من الرئيس سعد الحريري إلى مشروع الكهرباء الذي قدّمه الوزير جبران باسيل. يقرّ حلفاء ميقاتي وخصومه بحنكته السياسيّة، وقدرته على الخروج فائزاً من المعارك التي يكاد البعض يظن أن حياة ميقاتي السياسيّة ستنتهي عندها . يوم أمس شبّه أحد السياسيين ميقاتي بالرئيس نبيه بري: «الاثنان قادران على تدوير الزوايا»، لذلك لا يهم من دوّر زاوية التمويل الأخيرة، لكن المهم أن رئيسي المجلس النيابي والحكومة خرجا فائزين يوم أمس، ومن خلفهما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط. وفيما خرج تيّار المستقبل وقوى 14 آذار بضربة على الرأس يحتاجون إلى الكثير من الوقت لاستيعابها، بدا حزب الله في موقع غير الرابح، لكن غير المنكسر. أما التيّار الوطني الحرّ، فهو لا رابح ولا خاسر، إلى أن يسير الآخرون بجزء آخر من مطالبه الحكومية، أولها التعيينات.  

السابق
نقولا: تمويل المحكمة عبر الهيئة العليا للاغاثة لا يعطيها الشرعية
التالي
مديراً للموارد البشرية