صواريخ سياسية

الرهان على تعقل العدو الاسرائيلي لن يخيب بسهولة، ولن يفشل جراء بضعة صواريخ كاتيوشا تعبر الحدود الجنوبية في ليل دامس، لتعلن ان الزلزال الذي يحكى عنه والذي يخشى منه صار وشيكا. برغم ان أحدا لا يستطيع تحديد موعده أو قوته.
كانت الصواريخ التي انطلقت من الجنوب مجرد عينة بسيطة مما هو آت قريبا. هكذا أرادت جماعة عبد الله عزام القول، للإسرائيليين واللبنانيين والسوريين والإيرانيين ولكل من يتوقع ان تكون الصدوع في الجيولوجيا اللبنانية هي المركز الرئيسي للزلزال، وربما أيضاً المركز الوحيد. هي وظيفة لبنان الثابتة والدائمة والتي يمكن ان يقود التشكيك فيها الى الخيانة العظمى.
لم يكن إطلاق الصواريخ يهدف الى إرساء تقليد جديد على الجبهة الشمالية الاسرائيلية يشبه التقليد السائد على الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة الفلسطيني الذي يحتمل الانضباط في صاروخ ينطلق من جهة وغارة تشن من جهة اخرى، واذا الله قد عفا، وعادت الامور الى طبيعتها من دون حرب.

لبنان ليس غزة ولن يكون. الاشتباك المتقطع مستحيل. هذا ما يعرفه الجميع، لا سيما الجهة التي تولت نصب الصواريخ وإطلاقها والفرار تحت جنح الظلام. كما ان الحرب باتت تتطلب ذريعة أكبر حتى من مقتل بضعة إسرائيليين في إحدى المستوطنات الحدودية.. وهدفا أبعد بكثير من إلحاق هزيمة عسكرية بأحد طرفيها. صارت الحرب تعتمد على الحاجة الى إحداث تغيير استراتيجي في المشرق العربي كله. وهو أمر يحصل الآن من دون الحاجة الى استخدام الجيوش في مهماتها التقليدية العابرة للحدود.
يمكن بل يرجح ان تتكرر عمليات إطلاق الصواريخ من الاراضي اللبنانية، أكثر من أي وقت مضى، مع ان الحدود اللبنانية الجنوبية فقدت بعضا من جاذبيتها التي انتقلت الى الحدود الشمالية والشرقية التي ستكون في المستقبل القريب محط الأنظار ومصدر القلق، أكثر من أي حدود دولية اخرى في المشرق بما فيها الحدود السورية التركية!

لكن أحدا لا يملك ترف التخلي عن ضبط النفس، لا سيما العدو الذي يلاحظ حتما ان إخراج جيشه الى حرب جديدة، لن يخدم أي غرض سوى التورط السابق لأوانه في معركة سياسية غير محددة المعالم والآفاق، يمكن ان تعطل أو تربك تغييرا جذريا يجري ما وراء حدوده.. مع ان التقدير الشائع هو انه ليس هناك حرب تقليدية مهما كانت واسعة وشاملة ومدمرة يمكن ان توقف ذلك التغيير المستند الى معطيات داخلية صرفة، لا شآن لها بنيات اسرائيل أو عواطفها.
الاعتماد على تعقل العدو لن يكون خاسرا إلا في حالة واحدة، هي ان يسيء الإسرائيليون فهم الرسائل التي توجه اليهم من وراء الحدود، وان يظنوا ان من يدعي انه يتمنى الحرب لأنها تفيده، يمكن ان يتفادى يوم الحساب الذي لا شأن للصراع العربي الاسرائيلي بتحديد موعده.

هي في الاصل نظرية سطحية تلك التي تفيد ان الجيش الاسرائيلي يمكن ان يخرج الى حرب بناء على أوامر استدعاء عربية، حتى ولو أرفقت تلك الأوامر بالكثير من الصواريخ.  

السابق
البحث عن حرب أخرى!
التالي
15 مليار دولار أميركي