اللواء: ميقاتي يخرج من بين الألغام: لا منتصر ولا منهزم ولا تسليم بإتهام أشخاص

تنفس اللبنانيون الصعداء بخروج الدخان الابيض من السراي الحكومي، واعلان الرئيس نجيب ميقاتي عن تحويل حصة لبنان من ميزانية المحكمة الدولية الى لاهاي، في تدبير لم يعلن عنه مسبقاً، ولم يكشف رسمياً عن طريقته، لكن مصادر مطلعة افادت ان التحويل تم من احتياطي الموازنة، ومن حساب رئاسة الحكومة، وعبر سلفة خزينة للهيئة العليا للاغاثة، بقيمة 32 مليون و180 الف دولار·
واعتبرت اوساط سياسية هذه الخطوة بمثابة مخرج انقاذ للوضع اللبناني من المأزق الذي كان يتخبط فيه،والذي وصل الى حد الاطاحة بالحكومة، بعد ما اعلن رئيسها استعداده للاستقالة في حال عدم حصول التمويل·

واشارت هذه الاوساط لـنا ان كلمة ميقاتي التي اعلن فيها قرار التمويل، والتي توجه بها الى اللبنانيين والعرب والمجتمع الدولي، كانت جزءاً من التسوية التي تم التوافق عليها، نتيجة جهود خارقة، والتي صيغت بعناية واعتمدت مبدأ <لا غالب ولا مغلوب>، وابعدت المتهمين الاربعة عن الادانة، ونزعت صفة التسييس عن المحكمة، وتجنَّبب الانتقاص من دور اي مؤسسة دستورية·

 

وأكد ميقاتي لـنا ان التزامه بتمويل المحكمة هو ترجمة عملية لالتزامه المبدئي بثوابت دار الفتوى، والتي شارك هو شخصياً في صياغتها، واقرت بموافقة القيادات السنية السياسية والروحية، وهو كان اعلن في بيانه ان <اصراره على تمويل حصة لبنان من المحكمة، ينبع من حرصه على حماية لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته، ومن ايمانه بمبدأ احقاق الحق والعدالة، ومن التزامه بألا يكون رئيساً لحكومة تخل بتعهدات لبنان الدولية، او يخرجه من حصن الاسرة العربية والدولية، او يسهم في تدهور اوضاعه الداخلية>، مشدداً على ان هذه الخطوة <ليست انتصاراً لفريق او انهزاماً لآخر، ولا هي تسليم باتهام اشخاص او جهة بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بل هي قرار وطني يحفظ لبنان ولا يعرضه لاختبارات قاسية، ويخنق الفتنة في مهدها، انه قرار عكس التزام لبنان بتعهداته الدولية وبمبدأ العدالة>، لافتاً النظر الى ضرورة متابعة عمل المحكمة، مع التأكيد على ان تكون حيادية وعادلة في مقاربة هذا الملف بحيث تبقيه بعيداً عن التسييس او تصفية الحسابات او التعاطي بكيدية، آملاً ان يشكل التمويل حافزاً لجميع اللبنانيين كي يتخطوا انقساماتهم الكبيرة وخلافاتهم الماضية نحوالعودة فوراً الى طاولة الحوار برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، مثمناً عالياً ادراك وتفهم جميع الافرقاء للوطن الراهن، متعهداً تقديم مصلحة لبنان واستقراره وسلامة اراضيه على اي مصلحة اخرى، بعدما تمنى على الاسرة العربية والدولية ان تتفهم حساسية الوضع اللبناني – جغرافياً وتاريخياً وسياسياً واقتصادياً، عبر مؤازرته ودعمه في المجالات كافة>·

وفي دردشة عبر موقع <تويتر>، أكّد الرئيس ميقاتي انه مدين للبنانيين بالاستمرار في التركيز على مصلحة لبنان الوطنية، معتبراً انه بعدما تمّ تأمين تمويل المحكمة <يجب الا نبقى مهووسين بها، بل يجب أن نعالج اولوياتنا الوطنية، محدداً هذه الأولويات بالاستقرار والإصلاح وخفض الدين العام وخلق فرص عمل جديدة وتحقيق النمو>·

وتوقعت مصادر مقربة من رئيس الحكومة أن تؤدي خطوة التمويل، رغم التحفظ الذي ابداه فريق 14 اذار على الطريقة التي تمت بها، والامتعاض الضمني لفريق النائب ميشال عون، إلى فتح أبواب دولية وعربية امام الحكومة ورئيسها، حيث بات بمقدوره ان يقوم بزيارات إلى عواصم القرار التي كانت تريثت بتحديد مواعيد له، بانتظار معرفة قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها حيال المجتمع الدولي، ولا سيما المحكمة خصوصاً بعدما تبين ان لبنان اثبت انه قادر على التعاطي مع الملفات المعقدة من دون اي وساطة عربية، أو تدخل خارجي، مشيرة إلى أن الرجل وفى بالتزامه أمام المجتمع الدولي، عندما حدد تاريخاً لذلك وهو 30/11/2011·

وقالت هذه المصادر، استطراداً، أن إنجاز التمويل يعتبر بمثابة تكليف جديد لميقاتي، قد يؤدي إلى استمرار حكومته إلى استحقاق الانتخابات النيابية في العام 2013، في حال عبرت قطوع تجديد البروتوكول الموقع مع المحكمة في 15 آذار من العام المقبل، من إثارة زوابع سياسية، بحجة أن هذه الاتفاقية غير دستورية أو غير شرعية، رغم انها أقرّت في مجلس الأمن تحت الفصل السابع·

ترحيب أميركي – أوروبي ومهما كان من أمر، فقد كان لافتاً، مسارعة كل من واشنطن والخارجية البريطانية، والمفوضة الأوروبية كاترين اشتون، إلى الترحيب بدفع حصة لبنان في موازنة المحكمة، فيما طلبت السفيرة الأميركية مورا كونيللي لقاء عاجلاً مع الرئيس ميقاتي، وابلغته بحسب ما جاء في بيان السفارة، بأن <التزامات لبنان تجاه المحكمة تتجاوز مسألة التمويل وحده، وأن الوفاء بهذه الالتزامات هي مؤشرات مهمة على التزام الحكومة بمصالح لبنان وبالتزماته الدولية على حد سواء>· وهو ما شددت عليه اشتون التي اعتبرت أن <هذه الخطوة الإيجابية تتلاءم مع الالتزامات السابقة للسلطات اللبنانية التي شجعتها على متابعة تعاونها مع المحكمة>·

وقالت اشتون <يجب أن يسمح قرار رئيس الحكومة للبنان بالمحافظة على استقرار حكومته، والسير قدماً في تنفيذ برنامج الإصلاح، والاتحاد الأوروبي ملتزم متابعة العمل بصورة وثيقة مع لبنان في إطار السياسة الأوروبية للحوار المتجددة>·

ولاحقاً، اعتبر المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر أن عمل المحكمة فرصة للبنان لتجاوز تاريخه الطويل في الإفلات من العقاب بسبب العنف السياسي، مشيراً إلى أن دعم بيروت للمحكمة وتعاونها معها <التزام دولي اساسي>·

ثمن التسوية؟ ومع ذلك، يبقى السؤال عن الثمن الذي يفترض أن يدفعه ميقاتي لحلفائه في التسوية التي تم إنضاجها بطبخة سحرية في مطبخ الرئيس نبيه بري، وتحديداً للنائب ميشال عون و<حزب الله>، مقابل السير أو الموافقة الضمنية على> تمرير تمويل المحكمة، رغم أنهما كانا من أشد المعارضين لها، وهل حقيقة، أن هناك صفقة أو تسوية ثلاثية الأضلع، مثل التي كشفت عنها <اللواء> قبل يومين تقضي بأن يكون التمويل للرئيس ميقاتي، وفتح ملف شهود الزور لـ <حزب الله> وتنفيذ مطالب عون ومن أبرزها التعيينات لعون؟

وإذا كان <حزب الله> التزم الصمت، بانتظار أن يحدد أمينه العام السيد حسن نصر الله، الموقف من تمويل المحكمة، اليوم، خلال كلمة له في مجلس عاشورائي يخصصها بالكامل للشأن السياسي، بحسب ما قالت <المنار>، وإذا كان فريق النائب عون قلل من أهمية الخطوة، في ما يشبه الامتعاض الضمني تجاهها، فإن مصادر وزارية، توقعت أن لا ينجر رئيس الحكومة وفريقه إلى أية عملية ابتزاز ناجمة عن المطالب العونية، مستشهدة بفصل عملية التمويل عن تأجيل جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة أمس في بعبدا، معتبرة أن ذلك يؤكد على هذا المنحى، وبالتالي، فإن فريق رئيس الحكومة لن يعطي أهمية لمحاولات الضغط، عبر سلة المطالب التي رفعها وزراء تكتل <الاصلاح والتغيير>·

ولاحظت المصادر أن التسوية التي تمت جاءت على خلفية إعادة الأطراف لحساباتها منذ يوم الخميس الماضي، عندما أعلن ميقاتي معادلة <التمويل أو الاستقالة>، إلى استحقاق الجلسة، حيث تبين أن فريق 8 آذار ليس بإمكانه أن يشكل حكومة من دون النائب وليد جنبلاط الذي لن يشترك معه في حكومة جديدة إذا استقالت حكومة ميقاتي، وبعدما لمس أن رئيس الحكومة لم يطرح استقالته من باب المناورة، بل هو جدي في عزمه على الاستقالة·

ولم تشأ المصادر أن تربط بين تمويل المحكمة أو تأجيل جلسة مجلس الوزراء، لكنها لزمت الصمت إزاء سؤالها عن تأثير التطورات المتعلقة بالأزمة السورية على هذا الموقف، مشيرة إلى أن الأطراف جميعها أبدت حرصاً على التمسك بمعادلة بقاء الاستقرار من بقاء الحكومة، وهو ما يفسر ترحيب الرئيس السنيورة بخطوة التمويل، ومعه تيار <المستقبل> والأمانة العامة لقوى 14 آذار، رغم الملاحظات على طريقة الدفع، وعن أسباب تعريض لبنان لكل هذه الأزمات والضغوط وهذا التشنج على مدى شهور طويلة·

وأضاف الرئيس السنيورة: أما كان الأجدى لو درس هؤلاء الذين وقفوا ضد التمويل الموضوع بكل هدوء وسكينة وتبصر في وضع لبنان وسمعته ومصالحه، اما كان الاجدر ان نقوم بهذا العمل ولا نأخذ البلاد إلى حافة الهوية مثلما فعلنا·

تأجيل الجلسة جزء من المخرج إلا ان مصدراً حكومياً، ابلغ <اللواء> ان تأجيل جلسة مجلس الوزراء، كان امراً متفقاً عليه كمخرج لانجاز موضوع التمويل، مشيرة إلى انه كان هناك سببان:

الاول: تجنب طرح موضوع التمويل على الجلسة، وبالتالي عدم احراج اي طرف، بعدما تم التفاهم بين الرؤساء الثلاثة على الصيغة التي أعلن من خلالها اخراج بند التمويل·

والثاني: حتى لا يقال ان التمويل تم تحت حفظ مطالب عون، والتي قد يضطر مجلس الوزراء إلى اقرار بعض منها، وبينها مثلاً، مسألة الاجور التي ادرجت في جدول اعمال الجلسة، او التعيينات في مجلس القضاء الاعلى، علما ان حزب الله ابلغ المعنيين انه <يقف على خاطر عون في كل شيء>·

وقال المصدر، انه من اجل ذلك اتفق الرئيس ميقاتي والرئيس سليمان على تأجيل الجلسة، مرجحاً ان تنعقد يوم الاربعاء المقبل في قصر بعبدا، وقبل سفر رئيس الجمهورية إلى ارمينيا يومي 8 و9 من شهر كانون الاول الحالي·

اما الصيغة – المخرج، فقد أوضح المصدر انه تم التوصل اليها في الاجتماع الذي عقده الرئيس ميقاتي مع الرئيس بري امس الاول، بحيث اتفق ان يتم التمويل من خارج مجلس الوزراء، ونقدا من موازنة الهيئة العليا للاغاثة وضمن موازنة رئاسة الحكومة، على ان تكون سلفة تؤخذ من احتياطي الموازنة، ويتم تسديدها لاحقا من قبل مجلس الوزراء، على غرار ما فعلت وزيرة المال السابقة ريا الحسن في حكومة الرئيس سعد الحريري·

وكشفت معلومات ان الرئيس ميقاتي لجأ لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي أمنه قرضاً لهيئة الاغاثة التي ستقبضه من الحكومة قبل ان تقوم بتسديده لمصرف لبنان· 

السابق
إسرائيل تفرج عن أموال السلطة الفلسطينية وليفني تنصح عباس بالعودة إلى المفاوضات
التالي
محطات من كربلاء