الحسيني: في آخر أيام السكوكع

صدر للباحث والمؤرخ عباس الحسيني أربعة كتب حتى اليوم، وهو في نشاط مستمر لم يتوقف الا لأسباب مأساوية طالت عائلته فمنعته على الكتابة والبحث. وهو ايضا بصدد اصدار كتاب جديد، أكد أن (شؤون جنوبية) ستكون أول من يكتب عنه.
له (عين العرايس) وهو كتاب يؤرخ لبلدته النميرية وهو دليل احصائي، وتاريخي، وجغرافي لأحداث تعود الى 300 سنة حتى العام 1997. يعتمد هذا الكتاب بمعظمه على تاريخ شفويّ، الباقي أي ما نسبته 20% يستند على محمد جابر ىل صفا، وعارف الزين، والسيد محسن الأمين في اصدارتهم حول جبل عامل. وقد توصل في بحثه الى ان اسم "النميرية" له تفسيرين الاول الى النمير أي الماء العذب، والثاني الى تصغير كلمة نمر(نمير).
وله أيضا (إشارات مخلّص) الصادرعام 2009 عن دار المواسم، وهو كتاب يبحث عن المخلص في كل الأديان والمذاهب. وله ايضا (غضب أحمر في بيروت) الذي ينقل رؤية خاصة لمهنة المؤلف في مجال الاحصاء.

من هو عباس ج. الحسيني؟
انا ابن ضيعة النميرية، ومؤسس لجمعية (التنمية البيئية) والتي اقفلت بعد تنافس قوى الامر الواقع على وضع اليد عليها.

لماذا اخترت هذا العنوان؟
(السكوكع) نبتة رائحتها جميلة جدا، ترشد الى رائحة المحبيّن من الناس كأمي وجدتي. جمعت سابقا قصصا وحكايات، والكتاب هنا يعبّرعن مقدرة فنية تغذيها الموهبة. لقد عشت مع نساء الضيعة حيث كنت ألج وألح عليهن ليروين لي القصص القديمة لأمسك أطراف الخيط فيها. وكان قدّم لي المخرج اللبناني روجيه عساف عرضا لإخراج النص مسرحيا، وهو في صدد الاطلاع على المادة. اما ميزة السكوكع أي الـ سيكلامان فانه ذي رائحة مميزة.

ما سر الغلاف؟
الغلاف رسمه محمد علي حمدان، وهو يمثّل حجاب النساء في الجنوب الذي يشبه الى حد بعيد زهرة السكوكع.
وفي كتابي هذا سجلت عدة أهداف:
أولا: اننا نشتكي من قلة المعلومات عن حياتنا السابقة، ومجتمعنا، ونسائنا. ونحن نكتب عن رجال الدين، ورجال السياسة، ونغيّب الناس. لم أجد معلومات عن الجنوب وقصصه وقراه. وفي الكتاب المدرسي لم نقرأ سوى عن بسكنتا وبحر صاف وغيرها من القرى الجبلية.
ثانيا: من أجل توجيه تحية لهؤلاء النساء. ولا شك أن القارئ انتبه الى اني كتبت اسم الأنثى الأول وحذفت اسم الذكر، عرفت عنه بـ(زوج فلان)، حيث أحضرت الرجل كتابع. لاني تربيت على يد نساء، وأحبّ هؤلاء النسوة وأدافع عنهن، عمن ربتني، عن خالتي، وعن جدتي. وأهديه قبل كل شيء الى (حياة النفوس) أمي، المذكورة في الكتاب تحت اسم (ابنة سعاد الكبرى).
وما يُثير استغرابي هو أن المرأة هي من كانت تحمل البلاّن (أشواك بريّة تستعمل لإيقاد النار من أجل انضاج الخبر والمشاطيح وغيرها) من البرية، وهذا يدل على ان مجتمعنا كان يستخدم المرأة كخادمة وليس ككائن له قيمة.

هل ان المرأة التي تدعوها الى التحرر هي المرأة المناسبة؟
انا لست مع التحرر، ولست مع التشدد أو التخلف. انا أقف في الوسط بين الأثنين، أنا مع المرأة القوية والتي لا تتخلى عن أنوثتها في الوقت نفسه. لست مع الحجاب ولست مع العريّ لأنهما يؤديان الدور نفسه لناحية الاساءة لصورة المرأة. ولست مع أن تسكت المرأة وترضى بالظلم ولست مع النساء المتجبرات. وميزة المرأة اللبنانية انها تعرف الدمج بين الأثنتين.
في كتابي هذا جعلت القارئ يحكم بنفسه ويقرأ، ودفعت الرجل لأن يكون خير مدافع عن حقوق المرأة. فقلة من النساء تعرف كيف تدافع عن نفسها.

 لماذا الاصدار الأخير يتناول قصص النساء فقط، وليس عن الرجال أيضا؟
لأنه في كتاب(عين العرايس) وجدت الكثيرين ممن شجعوني للكتابة عن الرجل ليروُوا بطولاته في القرى والبلدات. لكن في (آخر ايام السكوكع) شعرت بأن أحدا لم يهتم كون الحكايات عن المرأة. فلم يسألني أحد ما ان كنت كتبت عن والدته او أخته أو عمته، عكس ما كان عليه الحال حين علموا بإعدادي لكتاب (عين العرايس). انه تمييز من نوع جديد.

ما هي اسبابك الخفيّة للتأريخ والارشفة؟
لدي رغبة لأن أؤرخ لأيام راحت ولم تعد، كتحية لأمي الراحلة التي لها فضل عليّ كونها دافعت عن شخصيتي، وتحملّت ألسنة الناس حيث كانوا يعيّروها بابنها الشيوعي وهي المتديّنة. أمي كانت صديقتي وكنت انا في الوقت عينه كاتم أسرارها.

عن سبب غياب اللوحات الفنية داخل الكتاب؟
السبب هو عدم رغبتي في إلهاء القارئ.

وعن تأثرك بسلام الراسي في هذا الكتاب، ماذا تقول؟
انا أحبه كثيرا كونه أولا ابن الجنوب، وابن بلدة ابل السقي. علما اني لا اكتب على طريقته، بل أنا باحث متنوع.

كتابك الجديد عما يتحدث؟
أحضّر كتاب عن السيد محمد حسن ابراهيم. وهو عمّ جديّ الذي اشتهر بالإفتاء من على ظهر الحصان. وهو الذي قرأ الكتب التراثية دفعة واحدة واغلق الصفحات ولم يعد إليها مطلقا. كان ذكيا وهو توفي 1946 وكان مناضلا ومجاهدا على مستوى لبنان، وكان يجول على مختلف قرى لبنان. رغم انه كان مطلوبا من الفرنسيين والاتراك في الوقت عينه، اضافة الى تميّزه بمعارضته لمؤتمر وادي الحجير، حيث كان يعتبر أن الإنتداب يقود الى التقسيم وهذا ما حصل. وسيتناول الكتاب مرحلة ما بين 1900-1945 اي عام وفاته التي كانت طبيعية. وسيتناول الكتاب أوضاع بلدة "كوثرية السياد" وصراع آل زبيب مع آل ابراهيم، وهو الذي كان قاضيا في مرجعيون. وقد تناوله سلام الراسي في ثلاث من كتبه.

ظهر من خلال بعض التعليقات انه لك مآخذ على الاعلام الذي تناول كتابك؟
الاعلام روّج للكتاب على أنه كتاب عن بلدتي "النميرية" في حين أنه كتاب يحكي ويؤرخ لحياتنا اليومية في جميع قرى الجنوب من خلال قرية معينة، فما نقرأه في (آخر ايام السكوكع) يسرده ابناء الجيل السابق على سبيل الذكريات والطرافة والاستمتاع.

ماذا عندك ضد الرجل وأنت الرجل؟
أحبه في حالتين فقط: كمقاوم لاسرائيل، وكمثقف حرّ. وأحب السيد محمد حسن ابراهيم كونه ظُلم تاريخيا.

ولماذا نجد المرأة في كتابك هي المسيطرة؟
انا ارفض تناول المرأة في كلامي وحواري وكتاباتي بشكل مسيء ولو كانت عاهرا، ومهما كان مستواها الاخلاقي متدن.

يؤخذ عليك كباحث استخدامك لـ اللهجة العامية في الكتاب، التي قد لا يفهمها القارئ العربي او الباحث الاجتماعي خلال دراسته للنص كتعبير عن البيئة الجنوبية . فبماذا تعلق؟
أحد الأشخاص قال لي أن العولمة تخرب اللغة، واني قصدت ادخال العامية على النصوص ليصبح القرآن مهجورا. نصوصي العاميّة لا تقلل من أي قيمة ولا خوف على القرآن كما قال مكسيم غوركي. ومثال على ذلك كتب كل من حنا مينا، وابراهيم الكوني، ونجيب محفوظ وغيرهم من الكتّاب الذين وصلوا الى العالمية. فالكتب المصرية غنية بالتعابير العامية والكتب التونسية والجزائرية وغيرها الكثير.

لكنك لم تضع تفسيرا لبعض التعابير التي لا يمكن ان يفهمها سوى ابن الجنوب اللبناني؟ فكيف العربي في اقصى المغرب؟
هذه التعابيرهي رصيد الكتاب، وهي التي أغنته. ولا أجد مشكلة فيها. وأنا تعمدت عدم ايراد تفسيرلأية كلمة جنوبية. 

السابق
نسبة 10% من الاسرائليين يعانون من الجوع
التالي
ما هو المقابل للمخرج من مأزق التمويل؟