إجراءات الطلاق

منذ أسابيع تهدد تركيا سورية بالطلاق. تنصحها وتُحذرها. وتُخاطبها بلغة تعرف أن دمشق لا تقبلها. تصريحات رجب طيب أردوغان أشارت إلى أن موسم الود صار من الماضي. مشاركة أحمد داود أوغلو في لقاءات الوزراء العرب كانت بالغة الوضوح. لم ترد تركيا أن تتقدم الصفوف. وحين يُعاقب العرب وبشبه إجماع النظام السوري لا يبقى لتركيا غير اختيار الموعد.

ما أعلنه داود أوغلو البارحة ليس بسيطاً. إنه إعلان نهاية الفترة الذهبية اليتيمة في العلاقات بين البلدين. كان شهر العسل طويلاً وامتد سنوات. تسربت إليه بعض الشكوك مع عودة نوري المالكي إلى مكتبه. وتصاعدت الشكوك مع قرار إقصاء سعد الحريري عن مكتبه وقلب الأكثرية في لبنان. وجاءت الضربة القاضية مع بلوغ «الربيع العربي» الحلقة السورية. لا بد هنا من الالتفات إلى أن الرجل الذي أعلن إجراءات الطلاق هو مهندس الربيع التركي – السوري. إنه الرجل الذي دخل مكتب الرئيس بشار الأسد ستاً وأربعين مرة.

عودة سريعة إلى السنوات الماضية تساعد على فهم خطورة الإجراءات التي أعلنها داود أوغلو وحجم الانهيار الذي أصاب العلاقات بين البلدين.

في 1998 وضعت تركيا سورية أمام خيار صعب: الحرب أو طرد عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني. اختارت دمشق طرد أوجلان لكن «اتفاق أضنة» لم يتجاوز التعاون الأمني لمكافحة الإرهاب.

جاءت الرسالة الأولى من أنقرة بعد عامين. في حزيران (يونيو) 2000 شارك الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر في تشييع الرئيس حافظ الأسد ودعا نجله بشار لزيارة تركيا على رغم الخلاف المزمن المتعلق بأراض متنازع عليها وسياسات متناقضة.

سهل رفض تركيا الغزو الأميركي للعراق، وامتناعها عن تقديم التسهيلات له، التقارب بين دمشق وأنقرة. وفي 2004 كان بشار الأسد أول رئيس سوري يزور تركيا منذ الاستقلال. وردت تركيا التحية بعد عام حين رفضت المشاركة في عزل سورية غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

الحاجة المتبادلة فتحت الباب لشهر العسل. أعطت سورية تركيا جواز مرور إلى العالم العربي وأعطت تركيا سورية فرصة القول إنها ليست أسيرة علاقتها مع إيران وإنها قادرة على الانتماء إلى المثلث التركي – السوري – الإيراني بدلاً من المثلث السعودي – المصري – السوري. ثم إن تركيا دولة مسلمة تعيش في ظل دستور علماني ولا تمنعها قبعتها الأطلسية من مقاربة مشاكل المنطقة بطريقة واقعية.

ذهبت العلاقات الثنائية بعيداً. واتسمت علاقات الأسد وأردوغان بدفء كاد يثير قلق أحمدي نجاد. وفي 2008 قادت تركيا مفاوضات غير مباشرة بين سورية وإسرائيل يقول أردوغان إنها كادت تكلل بالنجاح لولا تعنت إيهود أولمرت. وبعد عام ولد مجلس التعاون الاستراتيجي بين تركيا وسورية ثم وقعت عشرات الاتفاقات وألغيت التأشيرات وفي شباط (فبراير) من العام الجاري وضع رئيسا الوزراء في البلدين حجر الأساس لـ «سد الصداقة» على نهر العاصي.

مع اندلاع «الربيع العربي» شعرت دمشق أن أنقرة والدوحة «تملكان برنامجاً لتأهيل الإسلاميين ومساعدتهم على الوصول إلى الحكم». وشعرت العاصمتان أن دمشق لم تكن تريد «أكثر من مظلة تتابع تحتها سياستها الإيرانية في المنطقة». وشكلت أعمال القمع في سورية فرصة الإعلان عن الافتراق على طريق الطلاق.

باستضافتها اللاجئين الوافدين من سورية ومعهم قائد «الجيش السوري الحر» أرسلت تركيا تحذيرها الأول. وبإجراءات أوغلو أمس أرسلت تحذيراً أشد ومهدت للانتقال إلى مرحلة جديدة. من المبكر الجزم بالمدى الذي يمكن أن تذهب تركيا إليه في عملية الضغط على النظام السوري أو المشاركة في إسقاطه. هذا التموضع التركي يعني إيران أيضاً ويُقلقها. المعركة في الحلقة السورية تختزن رهانات كثيرة تتعلق بمستقبل الوضع في سورية ومستقبل التوازنات في الإقليم. في هذا السياق يمكن فهم «الممانعة الروسية» التي ستتعرض لاختبارات قاسية في الأسابيع المقبلة. ليس بسيطاً أن يعلن داود أوغلو أن بلاده تعاقب النظام السوري وتنتظر قيام نظام شرعي متصالح مع شعبه.  

السابق
محطات من كربلاء
التالي
الوزير هوشيار و العشق السوري الحرام..؟