حكومة كلهم على حق وسياسة جحا!

روى عن «جحا» ان جارا له دخل عليه ذات يوم شاكيا ظلم جاره الآخر، فاستمع اليه باهتمام وقال له «معك حق». ثم ان جاره الآخر جاءه شاكيا جاره الأول، فقال له ايضا «معك حق». وهنا هبّت زوجة «جحا» غاضبة من هذا التصرف الذي اعطى الحق لجارين متناقضين، فرد عليها قائلا: وأنتِ معك حق ايضا.
استنادا الى هذه الرواية يرى بعض الخبثاء ان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تنطبق عليها «سياسة جحا»، حتى ليكاد يصفها بـ«حكومة جحا». فكل أقطابها وأركانها «على حق» في ما يذهبون ويصبون اليه، وهي تواجه اعمق ازمة تهدد مصيرها واستمرارها على خلفية تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

«حزب الله» على حق في موقفه من المحكمة، اذ لا يعقل ان يوافق على تمويل مؤسسة يرفض وجودها من الاساس ويعتبرها اسرائيلية وهدفها تشويه سمعة المقاومة توطئة لضربها والقضاء عليها، من قبل ان تتهم عناصر منه صراحة باغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقد اعلن الحزب اكثر من مرة على لسان امينه العام انه غير معني بهذه المحكمة ولن يتعامل معها، ومن الطبيعي ان يرفض تمويلها.

الرئيس نجيب ميقاتي بدوره على حق في اصراره على التمويل. فرئيس حكومة لبنان لا يستطيع ان يحمل دم سلفه رفيق الحريري من خلال رفض حكومته تمويل المحكمة الناظرة في قضية اغتياله. وبالتالي ليس من طبع الرجل مواجهة المجتمع الدولي والعقوبات التي قد يتعرض لها لبنان جراء ذلك، فضلا عما يجرّه عليه هذا الأمر من عزل له داخل طائفته التي تبقى الغطاء الاخير لمستقبله السياسي في بلد كلبنان محكوم بنظام طائفي، وهو يعرف سلفا ان هويته الطائفية هي التي تقوده الى رئاسة الحكومة، ايا كانت الكفاءات والمهارات والخبرات السياسية والشخصية والخلقية التي يتمتع بها، وكذلك الارصدة الشعبية والمصرفية. «تكتل التغيير والاصلاح» بقيادة العماد ميشال عون ايضا وأيضا على حق في ما يرمي اليه. فالرصيد الذي يتمتع به «التيار الوطني الحر» في الساحة المسيحية ليس نابعا من عصبية طائفية، بل من حجم الانجازات التي يحققها على مستوى ساحته ومن ثم الساحة اللبنانية بشكل عام. وهو يعرف ان خصومه في الساحة المسيحية يتفوقون عليه في شد العصب الطائفي. رهانه الوحيد على مواقفه وإنجازاته على المستوى السياسي والاقتصادي والاداري الى آخر السلسلة. وهو بالتالي لا يستطيع ان يقاتل احدا بحكومة فاشلة هو شريك اساسي فيها، ولا يمكنه الذهاب الى الانتخابات بمثل هذه الحكومة. وعليه يفضل الف مرة ان يخوض الانتخابات من موقع المعارض. ولذلك كان التصور من الاساس ان التيار العوني سيلجأ الى فرط الحكومة اذا لم تحقق الانجازات التي وعد وتعهد بها امام جمهوره خاصة واللبنانيين عامة.

النائب وليد جنبلاط على حق. هو ينتظر تبلور الظروف الخارجية ليبني استراتيجيته السياسية، ولن يغرق طائفته الصغيرة مرة أخرى في الرمال اللبنانية المتحركة.
الرئيس نبيه بري ايضا على حق. هو يحاول جاهدا تفادي انهيار الهيكل الحكومي الذي يشكل نوعا من ضمان الاستقرار في البلد وسط منطقة مضطربة. يفتش عن مخرج لا يقتل الذئب ولا يفني الغنم. تحالفه مع «حزب الله» والمقاومة خط أحمر لن يغامر به ايا تكن الظروف، والاسباب كثيرة لا تعد ولا تحصى. يسعى بحنكته المعهودة لإيجاد المخرج المناسب. والرئيس ميشال سليمان على حق. يهمه دوام الاستقرار في ما تبقى من ولايته بأي ثمن. هو يحظى اليوم بإجماع سياسي في البلد، لأنه يسير بين النقاط غير المتجانسة بعناية فائقة، مستفيدا من تجربة اسلافه على رأس الدولة.

حكومة هؤلاء اركانها (كلهم على حق) يفترض ان يسودها حد أدنى من التفهم والتفاهم لعبور درب الجلجلة بأقل كلفة، بما يمكنها من ادارة الأزمة ريثما يقضي الله أمرا كان مفعولا. فمنذ تشكلت هذه الحكومة، لم يكن الخوف عليها وما يزال من المعارضة، انما من نفسها، وها هي تؤكد هذه النظرية. وأحرى بها ان تتجاوز قطوع التمويل وتلتفت لهموم الناس وتغلق آذانها على الضجيج المباح، على غرار ما فعل جحا مع ولده والحمار.  

السابق
لبنان بأهله ولاجئيه يحيي اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني
التالي
اسامة سعد رفض استقبال السفير بييتون في صيدا