نحن ومصر اختيار القمع

 الانتخابات في مصر بدأت لتوها ولكن ما بات واضحا منذ الان هو أن الانتخابات لن تضمن بالضرورة الديمقراطية لمصر.
الموجة الاولى من الاحتجاج في مصر حظيت بعطف هائل في الغرب. كان من الصعب عدم التماثل مع المتظاهرين في ميدان التحرير ممن أرادوا الانتصار على الطغيان باسم الحرية. او هكذا بدا الحال. ولكن ها نحن نصطدم بالحقيقة المؤسفة، في أن الجماهير لا تريد الحرية فقط بل والقمع ايضا. إذ ما يندلع في الميدان الان هو شعور أصيل لكراهية الاجانب بشكل عام وكراهية اسرائيل بشكل خاص. تحرير الجماهير كفيل بان يكون بداية قمع متجدد اذا ما اختارت الجماهير حكما اجراميا للاصولية الاسلامية.
هذا الدرس تعلمته الصهيونية مبكرا، بل حتى يمكن القول انه بمعنى ما ولد من داخلها. أبناء جيل ثيودور هرتسل آمنوا بانه بقدر ما تصبح اوروبا أكثر ديمقراطية، ستصبح أكثر تسامحا تجاه اليهود، وتسمح لهم بمواطنة متساوية وحقوق متساوية. هرتسل نفسه كان من أوائل من صحا من هذا الحلم. فقد شاهد بقلق الانتخابات التي اتخذها القيصر فرانتس جوزيف لبلدية فينا في اواخر القرن التاسع عشر ورأى كيف ان الانتخابات الحرة بالذات أدت الى صعود المتزلف اللاسامي كارل لوغار. في هذه القضية ينطوي جزء كبير من تناقض الحرية السياسية، وذلك لان الحكم القيصري بالذات الذي ليس ديمقراطيا أحسن لليهود، بل سعى الى أن يستبعد انتخاب لوغار فيما أن الحكم المحلي، الذي انتخب بشكل ديمقراطي، تغذى بالكراهية لليهود وأشعل إوارها. استنتاج هرتسل، مثلما يضيء كتاب شلومو أفنري "هرتسل" (مركز زلمان شزار، 2007)، هو أن الديمقراطية تعتمد على مشاعر التماثل القومي، واذا ما تبلورت هذه حول كراهية الاجانب، فان التحول الديمقراطي لاوروبا كفيل بان يعطي تعبيرا اكثر حدة، لا يقل حدة، عن اللاسامية.
كثيرا تكبد هرتسل العناء كي يميز بين القومية والقومية المتطرفة، والدولة القومية اليهودية سعى الى أن يقيمها على اساس التضامن القومي من جهة وعلى التسامح من جهة اخرى. وكان الكفاح، بالتالي، في سبيل المبدأ الموحد: هل هو قومي ويقوم على اساس الاعتراف بحقوق كل الشعوب في تقرير المصير أم لعله سيكون قومي متطرف ويستند الى رفض الاخر. الحبكة السياسية لرواية التينويلند تدور إذن، حول حملة انتخابات تكون فيها القومية المتطرفة، كما تتجسد في حزب حاخام عنصري تخسر في الانتخابات لحزب ديمقراطي. وفي هذا أيضا أجاد هرتسل في أن يتوقع، أو لعله يقرر، مباديء الصهيونية مثلما صيغت بعده في وثيقة الاستقلال.
نحن لا نشبه مصر، ومع ذلك، ثمة ما يمكن التفكير فيه عن اسرائيل في ضوء ما يحصل هنا. وذلك لانه عندنا أيضا، الصراع بين القومية الديمقراطية وليبرالية وثيقة الاستقلال وبين القومية المتطرفة لرفض الآخر بعيد عن الانتهاء. ولعل هذا هو العلاقة التي ينبغي لنا ان نرى من خلالها محاولات اليمين لتنفيذ نوع من الانقلاب الدستوري، تغيير عمومي للاجهزة، يزيل من طريقه الحواجز الليبرالية والديمقراطية. محاولات قضم حقوق عرب اسرائيل وفرض الرعب عليهم، التطلع الى السيطرة على الكوابح الليبرالية التي تنصبها المحكمة العليا، محاولة قصقصة أجنحة الصحافة – كلها جزء من تطلع واحد لسيطرة القومية المتطرفة على القومية. كلها جزء من المحاولة لاقامة المبدأ الموحد ليس على اساس الديمقراطية والليبرالية، بل على اساس جنون الاضطهاد وكراهية الاجانب.
ولما كان هناك أيضا أجانب مجرمون في محيطنا – ويشهد على ذلك ميدان التحرير – فان الخوف منهم قائم وموجود. السؤال هو اذا كنا نريد أن نشبه الاجانب العنصريين اولئك ام لا. 

السابق
شارة ثمن التحرير
التالي
إسهام للديمقراطية في الواقع