حزب الـله وجهاً لوجه أمام الخيارات الصعبة

لأنّ اللقاء لم يتمّ بين الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط في باريس، فإنّ لا شيء إلى الآن يسمح بالقول إنّ قوى 14 آذار ستكون جاهزة لاستلام السلطة فور استقالة حكومة ميقاتي التي لم تصبح مؤكّدة، إلّا بعد التأكّد على لسان رئيسها من أنّها ستنأى بنفسها عن الاستمرار.

المشهد في 14 آذار يوحي بأنّ انتصارا سيتحقّق، وهو حصراً ليس مرتبطاً باستقالة الحكومة، بل بوصول المشروع الذي حملها إلى الحياة إلى طريق مسدود، بفعل قرب سقوط الحاضنة الإقليميّة لهذه الحكومة.

قبل الإعلان عن تحقيق فوز أوّليّ، تنتظر قيادات 14 آذار وتراقب الخطوة التالية لحزب الله.

هل قرّر الحزب فِعلا التضحية بحكومة ميقاتي، أم أنّه سينأى بنفسه في اللحظة الأخيرة عن المشاركة في جلسة الحكومة،

أو في الجلسة التي ستعيّن إذا طلب الرئيس نبيه برّي وقتا مستقطعا لممارسة المزيد من الجهود لمنع السقوط.

سؤال يُطرح، وليس الاستسهال في إعطاء جواب منذ الآن منطقيّا في ظلّ صعوبة الخيارات التي ستكون على طاولة الحزب، في حال ضحّى بميقاتي واتّجه إلى وضع سلاح القمصان السود على الطاولة لمنع 14 آذار من تشكيل الحكومة الجديدة.

ويكمن التناقض في المشهد بأنّ الحزب، إذا وافق على التمويل، سيكون قد خسر جولة من جولات الصراع على المحكمة، وهذا ما لا يتحمّله، فيما سيؤدّي الامتناع عن الموافقة على التمويل إلى إفقاده حكومة مثالية بالنسبة إليه. فهو من جهة غير مقتنع بإمكان تشكيل حكومة جديدة بالأسماء السنّية المطروحة لتشكيلها، وكلّها أسماء لا تشبه بمواصفاتها الرئيس ميقاتي، ومن جهة ثانية هو لا يحبّذ العودة إلى مشهد السابع من أيّار، ذاك المشهد الذي سيستحضر صوَرا مصغّرة عمّا جرى ويجري في ليبيا وتونس ومصر وسوريا، مع الإشارة إلى أنّ تكراره بالنسخة اللبنانيّة سيعني تأجيج الشحن المذهبيّ الذي لا يحتاج استقالة إلى تأجيج.

14 آذار جاهزة لتشكيل الحكومة الجديدة، لكن هذا لا يشكّل سوى جزء من الواقع، فهل إنّ حزب الله جاهز للقبول بنتائج سقوط الحكومة، وهل سينظر بعين باردة إلى سقوط حكومته وإلى انتقال السلطة بعد الاعتراف بالهزيمة إلى قوى 14 آذار؟

القراءة الأوّليّة لا تشير إلى أنّ انتقالا سلِساً للسلطة سيحصل إذا ما استقال ميقاتي، لأنّ حزب الله يعرف أنّ حكومة 14 آذار لن تتأخّر عن القيام بكلّ ما منعها السلاح من القيام به في انتخابات عامَي 2005 و2009، وأنّ البيان الوزاري لهذه الحكومة لن يشرّع السلاح وسيطالب بنزعه، وأنّ هذه الحكومة ستموّل المحكمة. أمّا في سياستها الخارجيّة، فإنّها لن تتأخّر على نسج أفضل العلاقات مع ثورات الربيع العربي، ولن تتردّد في العمل على تطبيق كلّ القرارات الدوليّة المتعلقة بالحدود والسلاح غير الشرعي، وهذه المرّة لن تكون حكومة بلا غطاء دوليّ وعربيّ، ولن تُترَك لتسقط في سابع من أيّار جديد.

لهذه الأسباب، لا يزال البعض يعتقد أنّ الخيار الأفضل بالنسبة إلى حزب الله سيكون تمرير تمويل المحكمة الذي يمكن التشويش عليه لفترة قصيرة برفع منسوب الصراخ والاعتراض، وإذا ارتأى حزب الله أن يسير في هذا السيناريو للإبقاء على حكومة ميقاتي، فإنّ 14 آذار لن تقول شكراً، بل ستنتقل فوراً إلى مُطالبة الحكومة، بما أنّها وافقت على المحكمة وموّلتها، بتسليم مصطفى بدر الدين ورفاقه وبالتعاون الكامل مع المحكمة الدوليّة.

ولكن ماذا إذا أسقط الحزب حكومته ومنع بقوّة القمصان السود تشكيل حكومة 14 آذار؟

لن يكون خيارا سهلا بالنسبة إلى الحزب تزامُنا مع اهتزاز حليفه الإقليميّ، ولن يكون أقلّ كلفة من الإبقاء على حكومة ميقاتي، ولهذا فإنّ جلسة تهريب التمويل تبقى احتمالاً لا يمكن إسقاطه من الحسبان.  

السابق
اسرائيل ترد على الكاتيوشا وتحمل الحكومة والجيش المسؤولية وتبرىء حزب الله
التالي
الحركات الشبابية المصرية تواجه النظامين القائم والآتي!