المواطنة هي الحل

 أتصور أن المواطنة هي الحل?·? وينطوي هذا الشعار البوصلة على رؤية شاملة وخريطة طريق وبرنامج عملي لبناء دولة المواطنة?،? التي تحقق ما يتطلع إليه المصريون?،? وما تستحقه وتستطيعه مصر?·?
وأقصد بدولة المواطنة أولا، أن تكون مصر للمصريين، بأن تتمتع بالسيادة الوطنية وتحميها، بعد أن تحررت من الإستعمار والإحتلال، وثانيا، أن تكون الدولة لجميع مواطنيها، دون تمييز أو تهميش، تدمج ولا تقصي، توحّد ولا تمزق، وتلتزم بإرادة الأمة ومرجعية الدستور، وثالثا، بناء نظام جديد يحقق ويحمي جميع حقوق المواطنة وحقوق الإنسان؛ السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية وغيرها·

وأقول باستقامة واجبة، أن ثورة 25 يناير – مثل أي ثورة- تعني أن الشعب لن يقبل أن يحكم وأن تدار الأمور بأساليب النظام، التي أخفقت وقادت الى الثورة، وأن السلطة لا تستطيع أن تحكم وتدير بوسائل النظام، الذي سقطت شرعيته بالثورة· ويبقى شرط بناء نظام جديد رهنا بأن تدرك سلطة الإنتقال، ثم السلطة المنتخبة، أن الولاء والانتماء لمصر لن يكون أولا، في عقول وقلوب المصريين، بغير توجه واضح وحاسم نحو بناء دولة جميع مواطنيها، التي تستمد شرعيتها من حماية جميع حقوق المواطنة، لكل المواطنين، دون إنتقاص أو إقصاء·

وقد كتبت من قبل وشرحت أن مصر تواجه مفترق طرق؛ عليها فيه أن تختار بين التقدم الى سكة السلامة أو الإنزلاق الى سكة الندامة· وأضيف أن سكة السلامة تكون بالتقدم نحو بناء دولة المواطنة، وأما سكة الندامة، فانها تكون بهدر هذا أو ذاك من ركائز دولة المواطنة·

ولنتذكر أن إنجاز جميع حقوق المواطنة مثل أعلى؛ يتحقق عبر طريق طويل وشاق، ويقل الثمن والزمن بإمتلاك النخبة الوطنية القائدة رؤية شاملة وواضحة لهذا الهدف الاستراتيجي، وخريطة طريق تتجنب الشراك الخداعية، وبرنامج عمل استيعابي يبني أوسع وفاق وطني·

والواقع أن القراءة الموضوعية النقدية للخبرة التاريخية، المصرية والعالمية، تجعل من شعار المواطنة هي الحل، أي بناء دولة المواطنة، نموذجا ملهما جديرا بالتوجه إليه· وباختصار، فان دولة المواطنة ليست مجرد نقيض للدولة الدينية، التي تزعم الحكم باسم الدين، وتميز بين مواطنيها بسبب الدين أو المذهب أو العقيدة· وإنما هي أيضا نقيض الدولة التابعة، سواء مستعمرة أو مهمشة، ونقيض الدولة الاستبدادية بأشكالها الاستعمارية والشمولية والفاشية والبوليسية والعسكرية، التي تصادر حق الشعوب في تقرير مصيرها، وتهدر إرادة الشعب باعتبارها مصدر السلطة، وتميز بين مواطنيها على أساس الرأي السياسي ومدى ثقة الحكم فيهم·

ودولة المواطنة هي أيضا نقيض الدولة العنصرية، التي تميز بين مواطنيها بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الأصل القومي، أو تمارس الرق والاستعباد والسخرة، ونقيض الدولة الذكورية، التي تنتقص من حقوق المواطنة للمرأة؛ بأشكال وفي أزمان مختلفة· وهي نقيض الدولة الاستغلالية، التي تهدر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعاملين والفقراء والضعفاء، وتميز بين مواطنيها على أساس إحتكار الثروة والوضع الاجتماعي، مثل رأسمالية السوق الحرة، وجميع نظم الاستغلال الإجتماعي·

وإعلاء شعار المواطنة هي الحل يعني إعلاء منظومة من قيم التقدم الشامل، والبدء من حيث وصل الضمير الإنساني· أقصد قيمة التحرر الوطني؛ بتصفية الاستعمار، وممارسة الشعوب حقها في تقرير مصيرها بنفسها، وحماية السيادة الوطنية؛ بسيطرة الدولة على مواردها وثرواتها القومية، وعلى السوق الوطنية، وعدم التفريط في حق إختيار نظامها الاقتصادي/ الاجتماعي· وقيمة الحرية؛ بتحقيق وحماية الحريات الأساسية، وخاصة حريات التفكير والضمير والدين والرأي والتعبير والمعلومات، وحرية تكوين الأحزاب والجمعيات السلمية، وحرية التنقل والهجرة، والإلتزام بالشفافية والمساءلة والمحاسبة، وضمان حق الأمة في اختيار، وإعادة اختيار، الحاكم والنظام؛ عبر انتخابات دورية نزيهة، وحماية الحق في تقلد الوظائف العامة دون تمييز·

والقول بأن المواطنة هي الحل يعني أيضا إعلاء قيمة العدالة الإجتماعية؛ بتحقيق وحماية تكافؤ الفرص والحقوق الاجتماعية، وخاصة الحق في العمل اللائق واختيار العمل وبشروط عادلة وأجر منصف ودخل كريم للعاملين وأسرهم، وبشروط وظروف عمل إنسانية تكفل السلامة والصحة ولا تعرف السخرة، مع تحديد معقول لساعات العمل واجازات دورية مدفوعة الأجر ومكافأة عن العطل الرسمية، وتقنين الحق في الإضراب وتكوين النقابات، وتأمين وسائل العيش في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة، وتوفير برامج التدريب الفني والمهني، والمساواة في الترقية وفقا لاعتباري الأقدمية والكفاءة·

ويعني شعار المواطنة هي الحل إعلاء قيمة التقدم الاقتصادي والاجتماعي؛ ببناء نظام يحقق الكفاءة الاقتصادية ويلتزم بالعدالة الاجتماعية، ويؤمن حق التحرر من الجوع والفاقة، ويعزز مجتمع الرفاهية، ويبني اقتصادا متقدما؛ يرتكز الى الإنجازات الأحدث للثورة الصناعية والتكنولوجية، ويتمكن من المنافسة في عصر المعرفة واقتصاد العولمة· وهو نظام، يحمي الملكية الخاصة، الفردية والمشتركة والتعاونية، وبدون وصفة أيديولوجية جاهزة وبروح عملية يجمع بين دور السوق وتدخل الدولة، وبين دوري القطاع العام والقطاع الخاص، ويوفر الحق في التعليم الإلزامي والتعليم الثانوي الفني والمهني للجميع بالمجان، كما يوفر التعليم العالي وفقا لمعياري المساواة والكفاءة، مع إتاحته بالمجان·

والقول بأن المواطنة هي الحل يعني إعلاء قيمة الكرامة؛ أقصد الكرامة الوطنية، بتحقيق وحماية الأمن القومي، إنطلاقا من بناء القدرة الشاملة للوطن لحماية حدوده وسيادته، والكرامة الإنسانية، بتوفير التعليم والرعاية الصحية والمسكن الملائم، مع حماية الأسرة والطفولة والأمومة· وإعلاء قيمة المساواة، بعدم التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو العرق أو النوع أو اللغة أو الرأي أو الأصل أو الثروة أو النسب· وإعلاء قيمة العقل، بحماية حرية البحث العلمي والنشاط الإبداعي، وحق الفرد في الاستفادة من نتائج التقدم العلمي، واشتراكه الحر في الحياة الثقافية والاستمتاع بالفنون·

والمواطنة هي الحل شعار ينبغي أن يرتفع خفاقا؛ لتعزيز قيمة سيادة القانون؛ بضمان أن يكون المواطنون سواسية أمام القانون، وتوفير العدالة القضائية الناجزة وغير المتباطئة، ونبذ التعذيب والعقوبات القاسية والوحشية والمعاملة الحاطة بالكرامة، وعدم الإعتقال والحجز والنفي التعسفي، وحماية الحق في الحياة والأمان والسلامة الشخصية، وحماية حرمة الحياة الخاصة والسمعة· وإعلاء قيمة السلام، بتعزيز السلام العادل، وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين الشعوب والجماعات الإثنية، وبناء نظام اقتصادي عالمي منصف·

وأخيرا، لنتذكر أن المواطنة مفهوم يحدد مبادئ العيش المشترك في وطن بعينه، ومع العالم المحيط به، وهو مفهوم لم تعرفه المجتمعات قبل العصر الحديث· وقد تطور مفهوم المواطنة منذ الثورة الفرنسية الليبرالية ومرورا بالثورة الاشتراكية الروسية، وحتى إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبعد نهاية عصر الإستعمار، وتداعي نظم الطغيان، ثم بسقوط نظم الأصولية الشيوعية، وتداعي نظم الأصولية الرأسمالية· وهو مفهوم يتوافق يقينا مع قيم ومبادئ ومقاصد الإسلام والمسيحية، ويجسد مصالح الأمة· وبقدر نشر وشرح النخبة الوطنية الواعية المسؤولة لهذا الشعار؛ بقدر ما يتحول الى قوة تغيير؛ لأنه حين يسير كثير من الناس في اتجاه واحد، يصنع الطريق· 

السابق
الحكومة لم تعد حاجة للنظام والحزب؟
التالي
وعي اللبنانيّين الضيعويّ