إسهام للديمقراطية في الواقع

 أكان فرانكلن روزفلت الرئيس الديمقراطي الكبير الذي قاد امريكا الى الانتصار على المانيا النازية طاغية؟ كانت هذه التهمة التي وجهت اليه في 1937 حينما حاول أن يُغير تركيبة المحكمة العليا بعد ان قضت هذه المحكمة بأن بعض قوانين الـ "نيو ديل" كانت معارضة للدستور.
انتقد معارضو روزفلت اقتراح قانون اصلاح الاجراءات القضائية – الذي حاول اجازته في مجلس النواب – بزعم ان الرئيس يريد ان ينتخب قضاة يحرفون الحكم لصالحه. وكان هدف القانون اعطاء الرئيس صلاحية تعيين قضاة آخرين للمحكمة التي ألغت الأكثرية المحافظة فيها بعض مبادرات تشريع روزفلت كانت ترمي الى تخليص الدولة من الازمة الاقتصادية. ولم تتم اجازة القانون آخر الامر في مجلس النواب وتبين ايضا انه لم يكن ضروريا بعد أن ترك أحد القضاة المحكمة العليا متقاعدا.
ولما كان قضاة المحكمة العليا في الولايات المتحدة يُعينهم الرئيس لمدة حياتهم كلها – فان الحديث عن اجراء سياسي. فالرئيس المحافظ يُعين قضاة محافظين وبالعكس. فتركيبة المحكمة في كل وقت متعلقة في واقع الامر بنتيجة انتخابات الرئاسة ومدة حياة القضاة المتولين لعملهم. وبرغم الجوهر السياسي للتعيينات للمحكمة العليا فان الجمهور في الولايات المتحدة يُجلها اجلالا عظيما.
تخطر الحالة الامريكية بالبال ازاء محاولات الكنيست التأثير في تركيبة المحكمة العليا وزعم اليسار ان الاكثرية في الكنيست تضر بصبغة الدولة الديمقراطية. واحيانا، في حماسة الجدال يوجه الى مؤيدي تغيير التركيبة الحالية للمحكمة العليا كلمة التنديد "فاشيين". وليست هذه أنسب من اتهام روزفلت بالطغيان.
لا يتم تعيين قضاة المحكمة العليا في اسرائيل لاعمالهم باجراء سياسي، لكن من الواضح ان لهم آراءا سياسية. فهل هم قادرون على الفصل بين آرائهم السياسية وبين القرارات التي يجب عليهم اتخاذها في شؤون ذات مضمون سياسي؟ ليس هذا مؤكدا.
أحد الامثلة البارزة هو قضاء المحكمة العليا باجازة خطة اريئيل شارون لاقتلاع مستوطنين من غوش قطيف وشمالي قطاع غزة، وهو موضوع مشحون بالمضامين السياسية. وكان الوجه القضائي الأهم في هذه القضية سؤال أليس اجلاء عشرة آلاف اسرائيلي عن بيوتهم قسرا عدوانا على حقوقهم المدنية. فجميع مواطني اسرائيل في النهاية دونما صلة بآرائهم السياسية، يرون المحكمة العليا هي الوقاء الأخير لحقوق مواطنتهم.
أجازت المحكمة خطة الانفصال واعلنت انه برغم ان الحديث عن عدوان على حقوق الانسان لمواطني اسرائيل – فان هذا العدوان متناسب. ولا شك في ان هذا الحكم الاشكالي سيكون موضوعا للجدل سنين كثيرة بعد ويمكن ان ننسبه الى تركيبة المحكمة.
ان تركيبة المحكمة تحددها لجنة عدد كبير من اعضائها هم قضاة يتولون العمل في العليا بحيث يُعطون فرصة تخليد تركيبتها. وفي هذه الظروف فان من الشرعي تماما من قبل اعضاء الكنيست – الذين يشعرون بأن تركيبة المحكمة لا تمثل بصدق روح اكثر مواطني اسرائيل – ان يريدوا إحداث تغيير في هذه التركيبة التي تثير عدم ثقة عند فريق من الجمهور.
ليس في هذا أي شيء غير ديمقراطي، بالعكس. ان تجميد التركيبة الحالية للمحكمة ليس لمصلحة الديمقراطية الاسرائيلية. وفي المقابل فان الحاجة الى ضمان الثقة التامة لأكثر مواطني اسرائيل بقضاء المحكمة العليا هي ذات أهمية عالية للديمقراطية الاسرائيلية. 

السابق
نحن ومصر اختيار القمع
التالي
فنيش من السراي الحكومي: ليس هناك أي كلام جديد عن استقالة الحكومة