إخراج الفيل السوري من الغرفة!

 لا تزال الاحتجاجات السورية ضخمة جداً وواسعة الانتشار وسلمية بشكل كبير. لكن العنف آخذ في التصاعد, حيث لا يزال النظام السوري يواصل قتل شعبه ولا يزال مستمرا تدفق انهار دم الابرار من الثوار في سورية المطالبين بالحرية والديمقراطية والكرامة الانسانية بكل مشتملاتها. وكان أمل المتظاهرين وكذلك المعارضة السورية أن تُخرج الاحتجاجات ¯ كما حدث في مصر وتونس – الجماهير إلى الشوارع وتحصد دعماً واضحاً من المجتمع الدولي وتُجبر النظام على الاختيار بين التنحي أو مواصلة القبض على السلطة عبر القوة القمعية. ورغم أعداد المحتجين الغفيرة والإدانة من جانب الدول الغربية والإقليمية يبدو أن النظام قد قرر أن يحارب شعبه حتى النهاية.
ورغم كل القهر والقتل لا يزال المحتجون مستمرون في الخروج إلى الشوارع يومياً, وبكثافة, وذلك للمطالبة بإسقاط نظام الأسد لكنهم يجدون من الصعب رؤية الضوء في نهاية هذا النفق الدموي. ولكونهم محبطين فإن المحتجين يدعون الآن إلى دعم دولي عبر منطقة حظر طيران أو منطقة عازلة على طول الحدود السورية يستطيع المعارضون للنظام أن يلوذوا بها بأمان. ومن هنا فإن الجهد العربي بفرض عقوبات اقتصادية وان جاء مترددا ومتلعثما الا انه جهد في الاتجاه السليم لكنه يبقى غير كاف للتخلص من هذا النظام الكريه, فيما تسعى الأعداد المتزايدة في المعارضة السورية إلى تولي الأمور بنفسها. فالمنشقون عن الجيش السوري, الذين فروا من مواقعهم بدلاً من إطاعة أوامر إطلاق النار على المحتجين انضووا تحت لواء "الجيش السوري الحر" وهو جماعة مسلحة قيادتها موجودة في تركيا مع عمليات نشطة في حمص وإدلب وحولها وفي مواقع سورية أخرى, رغم استمرار استخدام النظام للقوة الوحشية للحفاظ على قبضته على السلطة.
وهناك مطالبة متزايدة وملحة بتطوير رغم خطة موحدة لإزالة نظام الأسد. لان ذلك النظام في معركة البقاء اضحى ينتهج طرقا أكثر دموية وطائفية مع احتمال تمدده على الأرجح إلى الدول المجاورة. وهناك افكار عديدة مطروحة منها تشكيل مجموعة اتصال سورية فأمام فشل نظام الأسد في تنفيذ مبادرة الجامعة العربية ينبغي المطالبة بتشكيل مجموعة اتصال سورية ترعى ضغطاً موحداً متعدد الأطراف ¯ هي الطريقة التي نجحت مع دمشق تاريخياً كأفضل ما يكون ¯ وتطوير ستراتيجية لإنهاء نظام الأسد.
مع تطوير ستراتيجية لحرمان نظام الأسد من داعميه والتوسع في العقوبات الدولية المدروسة ضد أعتى مناصري النظام لو استُخدمت في ظروف سياسية مفصلية ¯ ستُضعف قبضة النظام على السلطة بشكل كبير, وكذلك لابد من تعزيز خطة المعارضة السورية لأن الخوف الذي ولده قمع النظام والاختلافات الثانوية بين شخصيات المعارضة والحكم الاستبدادي الذي استمر فترة تزيد عن أربعين عاماً قد أعاقت مقدرة المعارضة السورية على التخطيط. ويقر معظم المراقبين بان ليس واقعياً أن نتوقع أو نطلب من المعارضة السورية التوصل إلى ستراتيجية مقاومة مدنية مثل تلك التي استخدمها المحتجون المعارضون في بلغراد أو القاهرة لإسقاط النظام هناك. لكن الأحرى بكل القوى الفاعلة دوليا او من يرضى منها – مساعدة المعارضة السورية على تطوير ستراتيجية مقاومة مدنية تُوسع الاحتجاجات لتشمل تكتيكات مثل المقاطعة والإضرابات العامة. وسيُعظم هذا من القوة السياسية لحركة الاحتجاجات السلمية. ولاسيما هناك ادلة على اجماع المجتمع الدولي على ادانة القمع الدموي للشعب السوري عبرت عنه لجنة حقوق الانسان في الجمعية العامة للامم المتحدة في 22 نوفمبر 2011 حين ادانت حملة القمع التي تشنها الحكومة السورية , وجاءت الادانة في الامم المتحدة فى قرار حصل على 122 صوتا مقابل اعتراض 13 صوتا فقط ومن هنا كانت الرسالة الدولية واضحة في دعمها للشعب السوري وضد نظام حكم الأسد, ذلك النظام الذي ذهب إلى أبعد مدى مرارا وتكرارا ليسلك سبلا مروعة لتكميم أفواه المعارضة. كما يبدو ان النظام السوري لن يترك خيارا سوى الاستعداد لعسكرة الصراع: مع إعاقة روسيا والصين لقرار مجلس الأمن ولذا فان تزايد القتال على يد المنشقين حول حمص وغيرها فإن فرص الحرب الطائفية تزيد أيضاً. كما أن العناصر الإقليمية (دولاً أو أفراداً) ولكونها ترى في هذا واجباً أخلاقياً وستراتيجياً ستُسحب في الغالب إلى ما يمكن اعتباره صراعاً بالوكالة. ولهذه الغاية لابد من إنشاء مناطق "حظر الطيران" أو "حظر الزيارة" أو مناطق عازلة كسُبُل لاحتواء الصراع والمساعدة على حصد الدعم للمعارضة السورية.
مع استمرار المساعي للدعوة الى استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي وخصوصا ان فشلت مبادرة الجامعة العربية لإنهاء العنف عندها سيساعد ذلك على فتح الباب للولايات المتحدة والأوروبيين للعودة إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار بشأن سورية. ورغم أن روسيا والصين قد اعترضتا على الإجراءات الماضية إلا أنهما ستجدان من الصعب على نحو متزايد مواصلة ذلك ولا سيَّما مع فشل المساعي العربية في التفاوض على تسوية آمنة للأزمة. وستكون قرارات مجلس الأمن بمثابة أساس لتعظيم الضغط متعدد الأطراف وخصوصا بالعقوبات الشاملة والاستخدام المحتمل للقوة في المستقبل. 

السابق
برنامج المجلس الوطني: نسخة سوريّة عن 14 آذار
التالي
أكبر كذبتين