ناصر: نحن ضدّ كل سلاح يُستخدم في الداخل

ربما لم يقنع الموقف الذي اطلقه النائب وليد جبلاط في الجمعية العمومية للحزب التقدمي الاشتراكي كل اللبنانيين، وربما لم يصدق بعض الاشتراكيين أن التوريث لن يطال حزبهم، وأن الشباب سيكونون قياديي المستقبل فيه، لكن الاكيد ان انتخابات مجلس قيادة الحزب، التي تلت الجمعية العمومية، فرضت على كل هؤلاء التصديق. ثلث أعضاء المجلس جاؤوا مباشرة من منظمة الشباب التقدمي بصرف النظر عما اذا كان وصولهم جاء بقرار من رئيس الحزب ام انه فعلا افراز ديموقراطي للجمعية العمومية. الصبغة الشبابية تلك لم تكن كافية لاشباع الرغبة التجديدية للحزب، التي، كما يبدو، فاقت كل التوقعات. ولم يتردد مجلس القيادة في انتخاب اصغر اعضائه سنا امين سرّ عام للحزب: ظافر ناصر هو الشاب الذي خلف المقدم شريف فيّاض في الحزب "الاشتراكي"، هو الشاب الذي لن يلقاه احد إلا ويصبح مقتنعا أن الحزب "الاشتراكي" يجدد شبابه. متكلم، غير متكلف، مقرّب من الجميع، لا يغفل ابسط الشكليات الضرورية في العمل العام. بهذا الانطباع يخرج معظم من يلتقي ناصر، الذي حرص في لقائنا معه على اظهار نفسه من أكثر الحزبيين التزاما واقتناعا بمبادئ الحزب وقراراته. إلتزام يخفي، كما يبدو، شخصية مشاكسة في غرف الحزب المغلقة.

انتسب ناصر الى منظمة الشباب التقدمي العام 2001، وأقسم اليمين الحزبي عام 2005، وتولى منصب أمين السرّ العام في 2011، مدّة لا يعتبرها قياسية "رغم قصرها، لان وصولي الى هذا المنصب جاء في الفترة التي قرر فيها الرئيس تطوير الحزب"، الأمر طبيعي ولا مبالغة فيه اذاً برأي ناصر، "فالآلية الديموقراطية والانتخابات هي التي تصنع القيادات في حزبنا، ونحن نعمل ايضا على فتح الأفق والمجالات لشبابنا بغية ادخالهم في الحياة العامة واشراكهم في العمل السياسي، ونعمل ايضا على تزويدهم البنية الفكرية للحزب، وعندها يصبح الشباب موجِّهين غير موجَّهين". لا يتعب لسان القيادي الشاب من الحديث عن الشباب عموما والطلاب الاشتراكيين خصوصا، فهؤلاء، كما يقول، قاموا بانجازات مميزة لا يمكن تجاهلها. "فهم بيضة القبان في الكثير من الجامعات، يشاركون في الانتخابات حيث يجدون ان مشاركتهم تساهم في الاستقرار، ويقاطعون في اماكن الاصطفاف الحادة كي لا يساهموا في زيادة التوترات". لكنه يأسف للحال الذي وصل اليها العمل الطالبي في لبنان "لا يوجد في جامعاتنا عمل طالبي حقيقي بل انقسامات طائفية سياسية تزيد مشكلات البلد"."تحليلات مبنية ربما على غايات"، هكذا يصف ناصر معظم ما نشر في الصحف بعد انتخابه. يستغرب ما قيل ان علاقته المميزة بمختلف الاطراف السياسة هي التي اوصلته الى منصبه "انا ابن الحزب، أين يكون الحزب أكون، في الممارسة والقناعات، نعم علاقاتي مميزة مع الجميع، لكن هذه حال معظم قيادات الحزب الاشتراكي"، ففي اقتناعه ان العلاقة الشخصية لا يجب ان تنقطع، حتى مع الذين يكون هناك خلاف سياسي معهم، والعكس هو حال غير طبيعية. "غير صحيح"، لم يكن ناصر ممتعضا من اصطفافات وليد بك القديمة والجديدة، "لقد كنّا جميعنا مع ثورة الارز، وكنّا ايضا مع المصالحة التي حصلت مع 8 آذار، فهي التي حفظت السلم الاهلي"، كذلك لم يكن وصوله بسبب امتعاض القاعدة الاشتراكية من القيادات القديمة في الحزب "فالقاعدة مقتنعة بضرورة حماية السلم الاهلي والانفتاح على الجميع وتجنيب لبنان ارتدادات التوترات الخارجية. هذه ليست شعارات بل هي ممارسة الحزب في السنتين السابقتين". وبرأي ناصر لو لم تكن القاعدة مقتنعة، لما كانت واكبت رئيس الحزب في مواقفه.

يطل ناصر على الحرية والديموقراطية داخل حزبه بكثير من الثقة. "النقاش دائم بيننا وبين الرئيس، وبيننا وبين القاعدة، الديموقراطية مطلقة في الحزب الاشتراكي"، ويتحدى أن يكون هناك رئيس حزب يسمع لقاعدته بقدر وليد جنبلاط، "الحزب ملك لكل مناضل ومحازب وليس ملك القيادة، وكذلك قراراته". بقليل من الغضب يجيب ناصر على تشكيك البعض بأن قرار الحزب يأتي من مجلس القيادة وتأكيدهم انه يأتي حصرا من النائب وليد جنبلاط، "مشكلة الأحزاب في لبنان انها اعتادت على نمط معين من السلوك، مما دفعها الى التشكيك في أي حال مميزة تنشأ. نحن في المسار الطبيعي للعمل الحزبي، وقرارتنا تؤخذ في مجلس القيادة". يستدرك بسرعة "ليس ما يمنع ان ينفرد رئيس الحزب في أخذ بعض القرارات حين يجد انه من غير المناسب العودة للحزب". المجلس القيادي هو مركز القرار السياسي في الحزب، اما امين السرّ "فهو الرابط بين المجلس وكل القطاعات الحزبية، وهو المحرك لها، والمشرف على تنفيذ القرارات، ولعل وصول شاب الى هذا المركز سيكون محفزا لكل شباب الحزب".

الحزب دخل اذاً مرحلة التطوير والتجديد، فالورشة التنظيمية التي بدأت منذ سنتين شارفت على النهاية، "تسير في شكل متوازن مع التغيرات التي يشهدها"، والتي تطال كل شيء، الهيكلية التنظيمية، اسلوب العمل، سياسة الحزب، وغيرها من الامور التي لا يضعها ناصر الا في اطار "مواكبة الحزب للتطورات التي تحصل في المنطقة. التغيير أصبح ضرورة"، ويعتبر ان اهمية ما يحصل في انه يأتي بمواكبة ورعاية كل القيادات القديمة، "التي نقدّر لها نضالاتها".
في كلامه يكرر ناصر بسرعة واختصار مواقف النائب جنبلاط "نحن مع سلاح المقاومة ضدّ اسرائيل، وضدّ اي سلاح يُستخدم في الداخل، نحن مع تمويل المحكمة الدولية، مع الحوار من دون تقيده بهذا البند أو ذاك، نحن ضدّ التوطين"، هل نسيت شيئا؟ يسألنا ناصر، "الموضوع السوري" نجيبه، هنا لم يستطع توضيح اللبس الذي شاب موقف وليد جنبلاط في هذا الموضوع، رغم تأكيده ان الموقف شديد الوضوح، "نحن مع كل التحركات في العالم العربي، كذلك في سوريا، فالمطالب مشروعة". واذ أيد ناصر الحلّ وفقا للمبادرة العربية، رفض رفضا قاطعا التدخل الاجنبي في سوريا بأي شكل "هذا موقفنا من دون الدخول في مسألة اسقاط النظام او عدمه، فنحن لا نؤثر في هذا المجال".

يتحدث ناصر بكثير من الحسرة عن فقدان الحزب قدرته على الاستقطاب من جميع الطوائف ويعزو ذلك الى الحرب الاهلية، "لا علاقة للحزب وخطابه في هذا الامر، فنحن نتوجه الى كل اللبنانيين، ونطمح الى ان نعود لنستقطب من جميع المناطق اللبنانية، لكن النظام اللبناني لا يساعدنا على هذا الامر".
لا يحب ظافر ناصر الوعود وكثرة الكلام لكنه اتخذ لنفسه شعار "البناء على كل ما هو ايجابي وعلى انجازات الحزب التاريخية، ومعالجة كل خلل بموضوعية"، وهذه أمور لا تترجم "إلا بالأفعال".  

السابق
هكذا تعامل الإمام علي مع معارضيه ومنتقديه ومنافسيه
التالي
خريس: الخطاب المتشنج لا يخدم سوى المزيد من الانهيار وتسعير نار الفتنة الطائفية والمذهبية