محاكمة النظام اختصاص المحاكم الليبية

أثار اعتقال سيف الإسلام القذافي، الابن الثاني للعقيد معمر القذافي، وعبد الله السنوسي، رئيس جهاز الاستخبارات، نقاشا بين الحكومة الليبية والمجلس الانتقالي الوطني ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان بشأن ما إذا كان سيف الإسلام والسنوسي سيحاكمان أمام محكمة ليبية أم سيسلمان إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وأكد المدافعون عن حقوق الإنسان أن سيف الإسلام ومسؤولي النظام الليبي السابق لا يمكن أن يحصلوا على محاكمة عادلة في تلك الدولة. لكن رغم القلق الذي يعتري هذه المنظمات، ينبغي على إدارة أوباما والمجتمع الدولي أن يتركا القرار بيد الليبيين، ينبغي عليهما أن يعرضا مساعدة الحكومة الليبية الجديدة بدلا من محاولة الحلول محلها.

كحال الكثير من الدول العربية، لم توقع ليبيا على معاهدة عام 1998 التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية – المعروفة باسم نظام روما الأساسي – ومن ثم فهي ليست خاضعة لولاية القضاء الجنائي العام لتلك المحكمة. ولكن قرار مجلس الأمن الدولي في فبراير (شباط) الذي أحال هجمات نظام القذافي على المدنيين الليبيين إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق والتي تتطلب تعاون السلطات الليبية مع المحكمة كان له أثر قانوني دولي بتقديم القذافي والمسؤولين الليبيين إلى المحكمة الجنائية الدولية. وفي يونيو (حزيران) أدانت المحكمة الجنائية الدولية القذافي وسيف الإسلام والسنوسي بتهمة القتل وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وأصدرت أوامرها بإلقاء القبض عليهم.
 وقد دفعت الظروف الغامضة لوفاة القذافي، التي تشير إلى إعدامه بعد أسره على يد قوات الثوار الليبيين، جماعات حقوق الإنسان للدعوة إلى نقل سيف الإسلام إلى لاهاي، وأكدوا مستشهدين بالمحاكمات الصورية العاجلة وإعدام صدام حسين وكبار المسؤولين في حزب البعث من قبل المحكمة العراقية العليا، أن المعارضة الليبية لا يمكن الوثوق بها في توفير محاكمات جنائية تحقق المعايير الدولية.
بعد 42 عاما من حكم القذافي الاستبدادي، تفتقر ليبيا إلى سلطة قضائية مستقلة وسلطة إنفاذ القانون الجنائي وقد يتطلب ذلك فترة طويلة لقيام مؤسسات قضائية عادلة. لكن الحكومة الليبية الجديدة تقول أيضا إنها تريد الحفاظ على عقوبة الإعدام كخيار، وهو ما سيشكل إحباطا لكثير من الدول الأوروبية ومنظمات حقوق الإنسان.

على الجانب الآخر يصر مسؤولو المجلس الوطني الانتقالي على ضرورة محاكمة سيف الإسلام والسنوسي في ليبيا لأن العدالة المحلية هي القاعدة والعدالة الدولية هي الاستثناء، وسيحظى كلاهما بمحاكمة عادلة.
ولأنه السلطة الحاكمة المعترف بها في ليبيا، يلتزم المجلس بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، لكنه ليس مطالبا بتسليم سيف الإسلام للمحكمة، وللحكومة الليبية الجديدة الحق بموجب نظام روما الأساسي محاكمة سيف الإسلام والسنوسي إذا ما اختارت ذلك، فقد تأسست المحكمة الجنائية الدولية كي تتمم اختصاصات المحاكم الجنائية الوطنية، لا أن تحل محلها، وأن تختص بنظر القضايا فقط في حال عدم رغبة أو قدرتها على استكمال الدعاوى القضائية. المحاكمة الليبية لسيف الإسلام وغيره من المسؤولين في النظام السابق ربما تكون أكثر احتمالية من محكمة دولية في مكان بعيد لتسهيل عملية المصالحة الوطنية وتأكيد العدالة للكثير من ضحايا طغيان القذافي من الليبيين. وقد التقى مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو، مسؤولي المجلس الوطني الانتقالي يوم الثلاثاء في طرابلس، وقال بحكمة إنه مستعد لتحويل المحاكمة إلى ليبيا.
ومن المثير للسخرية إلى حد ما أن المدافعين عن حقوق الإنسان الذين دعوا إلى تدخل دولي لمساعدة الشعب الليبي في القتال ضد القذافي يعتقدون الآن أن الليبيين لا يمكن الوثوق بهم في ملاحقة مسؤولي القذافي، ويعتقدون أن الوسيلة الأفضل لتحقيق العدالة يأتي من خلال المحاكم الدولية.

إذا كانت الحكومة الليبية الجديدة تفتقر إلى القدرة على إجراء محاكمات عادلة، ينبغي على المجتمع الدولي وجماعات حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية تقديم المساعدة التقنية والمالية لإتمام هذه الدعاوى القضائية الحالية والمستقبلية. لكن نقل سيف الإسلام والسنوسي إلى المحكمة الجنائية الدولية لن يساعد في بناء نظام قضائي نزيه ومستقل في ليبيا على المدى الطويل.
كانت الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان والحكومات الأوروبية قد رفضت قبل سنوات الكثير من طلبات قدمتها حكومة ما بعد صدام في العراق للمساعدة في تنفيذ محاكمة صدام وأعوانه، ظاهريا لمعارضتها لعقوبة الإعدام (ولكن على الأرجح بسبب الغضب من حرب العراق التي لم تحظَ بشعبية). وقد كانت تلك فرصة ضائعة للمساعدة في تحقيق العدالة لضحايا انتهاكات صدام لحقوق الإنسان وتعزيز سيادة القانون في العراق، ومن ثم ينبغي على المجتمع الدولي ألا يكرر الخطأ ذاته في ليبيا.
للمحكمة الجنائية الدولية دور مهم كي تلعبه في إقرار العدالة الدولية، وينبغي على الولايات المتحدة دعم عملها في الحالات التي لا تتوافر فيها النظم القضائية الوطنية المناسبة. ولكن إذا كانت محاكمة سيف الإسلام وغيره من مسؤولي النظام السابق هي إرادة الشعب الليبي، فيجب على إدارة أوباما والمجتمع الدولي أن يدعما جهودهم. 

السابق
الشيخ قاووق: موقف 14 آذار من شبكات التجسس الأميركية فضيحة وخطيئة وطنية
التالي
كيف يمكن للصين أن تتغلب على الولايات المتحدة؟