خريف السلاح.. أم شيخوخة حزب الله!

مؤشّرات كثيرة تتضافر لتوحي بأنّ لبنان "على المفترق" أو أنّه "قاب قوسين" من مغادرة لحظة "الكبوة الإنقلابيّة" التي طالت عشرة أشهر بإتجاه لحظة جديدة، لا يزال يحوم حولها الكثير من الضبابية، وإن كان من الراجح طبعاً أنّها ستكون أكثر حيويّة وصخباً، وأكثر تأثّراً بمناخات الثورات العربية من جهة، وبمفاعيل الإجماع الرسميّ العربيّ على عزل النظام البعثيّ المحتضر في سوريا من جهة ثانية.

لكن العنصرين المحليين الذين لا بدّ من أخذهما في الحسبان فهما انهيار "الواجهة الأمامية" للإنقلاب التي تحصّن "حزب الله" وراءها، وتمكّن من خلالها من نقض صلح الدوحة ممعناً في الغلبة الفئوية النافرة. هذا من جهة أولى. ومن ثمّ التأثير السلبيّ للغاية الذي تركته شهور الإنقلاب الأشعر على "حزب الله" نفسه والذي أظهرته بمظهر الحزب القليل الحيويّة والكثير الخطابية، أي الحزب الذي بدأت تظهر فيه معالم "شيخوخة"، وعسى أن تعود "شيخوخة حزب الله" التي ظهرت في الأشهر الماضية بالفائدة على "حزب الله" والطائفة الشيعية والطوائف الأخرى واللبنانيين جميعاً بالفائدة، فتسهم في إعادة الإعتبار للتعقّل والرويّة، وفي أخذ العبر من الأوجه المتعدّدة للغاية للزلزال الثوريّ العربيّ.

بهذا المعنى لم نعد أمام "حزب الله" كما ظهر في إثر حرب تمّوز، ولا أمام "حزب الله" كما ظهر في لحظة إحتلال وسط بيروت، أو في لحظة اجتياحه لبيروت، ولا حتى أمام "حزب الله" كما ظهر، أو لم يظهر، في صبيحة "القمصان السود". نحن أمام حزب غزاه الشيب بسرعة منقطعة النظير في الأشهر العشرة الماضية، وصار كلام قيادته طقسياً محضاً، لا يحرّك ما في الأفئدة وما في الصدور، ولا يستطيع بشجرة واحدة أن يخفي كل ربيع العرب.ولا شكّ في أنّ الاعتماد الزائد لـ"حزب الله" على ورقة العماد ميشال عون كلّفته في هذا المجال الكثير، وكذلك "حلف الأقليّات" هذا، فقد ساهم هو أيضاً في عزل "حزب الله" عن "الأمّة"، على ما تدلّ كتابات كثيرة في مغرب العالم العربيّ ومشرقه، وهي كتابات تذيلها تواقيع مثقفين عرب كثر كانوا يأخذون على "قوى 14 آذار" في السنوات السابقة أنها لا تعرف الحقيقة الناصعة لهذا الحزب، فإذ بهم يكتشفون فجأة أنّ هذه الحقيقة الناصعة هي إما حقيقة سابقة أو أنها منذ الأساس شبكة أوهام.
بيدَ أنّ "شيخوخة حزب الله" كما ظهرت في الأشهر العشرة الماضية لا تفيد "تعقّل حزب الله" إلا من باب التمنّي والنصيحة، لكن ما لا يمكن استبعاده هو واقعية وخطورة أن يتصرّف "حزب الله" في المرحلة المقبلة على أنّه نظام معرّض للسقوط، ومعرّض أكثر من ذلك لانفضاض الناس من حوله، أو ان يعتبر بأنّه ينبغي أن يفعل "المستحيل" كي يمنع سقوط النظام البعثيّ في سوريا، أو حتى أن يضع خطة بديلة في حال هذا السقوط، لإيجاد معادلة من نوع "لبنان في مقابل سوريا". كل هذه الإحتمالات تفعل فعلها اليوم لإنضاج الواقع الذي سيرتسم أمامنا غداً، لكن من يقول أن المسار واضح في الأشهر المقبلة يصادر الغيب ليسَ إلا.

في المقابل، يأتي الحدث الجماهيريّ السياسيّ من طرابلس بالأمس متجاوزاً لـ"اشكالية استنهاض الهمم" التي شغلت وقتاً طويلاً في مسيرة 14 آذار، وذلك باتجاه "استعادة عنصر المبادرة"، أو "التقاط اللحظة الإقليمية" وتحسين "ترجمتها محليّاً"، وهذه اللحظة هي لحظة غير مسبوقة في تاريخ تحقق إجماع عربيّ على إدانة نظام خرج عن كل مألوف ومعهود. ويتصل هذا الإلتقاط للحظة الديبلوماسية الإقليمية مع التقاط للحس الشعبيّ، المنتصر للثورات الشعبية العربية عموماً، وللثورة السورية خصوصاً، ليسَ فقط لأنها الثورة التي تعني مباشرة اللبنانيين كما السوريين، ولأن معادلة سمير قصير التي تربط الإستقلال اللبناني بديموقراطية سوريا هي اليوم صحيحة أكثر من أي وقت مضى، بل أيضاً لأنّ الثورة السورية كفيلة بتجذير كامل الربيع العربيّ، هذا الربيع الذي تدلّ الإنتفاضة المتجدّدة لميدان التحرير وسط القاهرة على أنّه لا يزال.. أمامنا.

الإنقلاب أصاب "حزب الله" بالشيخوخة المبكرة. أما الكبوة التي أصابت 14 آذار بسبب الإنقلاب فانها تحوّلت وبمجرّد ظهورها كنقيض نافر عن الحيوية الثورية السورية التي يناصرها جمهور ثورة الأرز إلى حافز جديّ حقيقيّ للتجدّد، وإن كان لذلك شروط عديدة، يمكن أن نوجزها بالقدرة على طرح برنامج متكامل لإسقاط الحكم المتعاون مع النظامين السوري والإيرانيّ في لبنان، ليس فقط بإتجاه "حكومة 14 آذارية" صافية، بل أيضاً، بإتجاه استعادة، من موقع استقلاليّ لبنانيّ، لشعار "حزب الله" الذي طرحه عشية انتخابات 2009، حول "إعادة تشكيل السلطة في لبنان".. نعم، إعادة تشكيلها، لكن في الإتجاه النقيض تماماً لمنظومة الممانعة  

السابق
خبير روسي: إرسال صواريخ ياخونت الروسية لحزب الله سرياً أمر مستحيل
التالي
قتيل في حادث سير في الزهراني