حروب كثيرة

قال الشاب بلهجة المنتصر: «ها هي أميركا تغادر العراق ذليلة. دفعت غالياً ثمن مغامرة الاحتلال. لا تجرؤ اليوم على المطالبة بقواعد دائمة أو موقتة. طموحها أن تستكمل انسحابها سريعاً. لم تذهب تضحيات شباب المقاومة هدراً. شبان بإمكانات متواضعة واجهوا أعتى قوة على وجه الأرض». شعرت أن من حق أي مواطن في أي بلد أن يعبر عن سعادته برحيل قوة كانت تحتل ارضه. أعربت عن الأمل بأن يكون رحيل الاحتلال فرصة ليلتقط العراق أنفاسه ويتفرغ لإعادة بناء ما دمرته سنوات الاحتلال والاقتتال. وقلت إن الوقت حان ليعود شبان المقاومة إلى عيشهم العادي. سارع إلى القول:» ليت الأمر كما تتمنى. لقد انتهت مرحلة من المقاومة وستبدأ الآن مرحلة أخرى. نحن لم نقاتل الاحتلال الأميركي لنسلم بالوصاية الإيرانية على بلادنا. أخرجنا الأميركيين وسنخرج الهيمنة الإيرانية على قرارنا».

استوقفني الكلام وتضاعفت رغبتي في الاستفسار. سألته كيف سيتم إخراج النفوذ الإيراني فأجاب: «بالمقاومة والعمليات العسكرية ضد هذه الهيمنة ورموزها. لن تتأخر الأخبار في الوصول إليكم. لن نتهاون أبداً مع الذين سهلوا مجيء الأميركيين ويقيمون الآن تحت المظلة الإيرانية. كل منتهك لسيادة العراق يعتبر عدواً للمقاومة. إيران أيضاً سهلت غزو العراق وراحت تتسرب إليه لتضمن اقتطاع اكبر قسم ممكن من الكعكة وكأن ارض العراق سائبة ويمكن أن توزع على الدول الكبرى والدول المجاورة».
 قال الشاب إن العمليات الجديدة لا تعني إطلاق حرب أهلية. ولفت إلى أن التذمر من النفوذ الإيراني موجود أيضاً في المناطق الشيعية ومرشح للتصاعد. وأشار إلى أن لقاء مصالح حصل مع سورية في السنوات الماضية خصوصاً أنها كانت راغبة في إفشال الغزو الأميركي لحسابات تتعلق بها. وأكد أن الافتراق مع سورية شديد الوضوح اليوم «بسبب تحالفها مع إيران من طهران إلى بيروت».

سخر الشاب من الأحاديث التي تتردد ومفادها «أن إيران قد تخسر سورية وأن التعويض لها سيكون في العراق. لا احد يملك حق إعطاء نفوذ على ارض العراق. نحن بلد صعب. وسيكتشف الإيرانيون ذلك في وقت غير بعيد».

كلام الشاب العراقي يعزز الاعتقاد أن الأيام الصعبة في العراق لم ترحل على رغم رحيل الاحتلال. الدعوات إلى تشكيل أقاليم في بعض المحافظات ذات الغالبية السنية تنبئ بأن العلاقات السنية – الشيعية مرشحة للمزيد من التفاقم وأن الانقسام حول العلاقة مع إيران يصب زيتاً على نار الانقسام الداخلي حول توزيع الصلاحيات والمواقع.

يدور هذا الاشتباك العراقي على مقربة من نار الأزمة المتصاعدة في سورية. وهي أزمة يمكن فهم جانب منها في ضوء رياح «الربيع العربي». لكن التبصر في التعقيدات السورية يدفع إلى الاعتقاد أنها غير منفصلة أيضاً عن التوتر المذهبي في المنطقة والصراع على حدود الدور الإيراني فيها. لهذا يمكن القول إن حروباً كثيرة تلتقي في الحلقة السورية. حرب التغيير في الداخل السوري. وحرب موقع سورية في الإقليم. وحرب موقع إيران في الإقليم. وحرب حرمانها من العبور من سورية إلى شواطئ بيروت.

على الضفة الأخرى من الحريق السوري تتصاعد حرارة النزاعات في لبنان. معارك عدة تتداخل على ارض هذا البلد. معركة المحكمة الدولية ومعركة السلاح غير الشرعي ومعركة موقع لبنان وموقفه من الحريق السوري ومعركة النفوذ الإيراني في لبنان. وكما ينقسم العراقيون حول شؤون الداخل والعلاقة مع إيران وسورية ينقسم اللبنانيون أيضاً. كل شيء يوحي أننا في الطريق إلى حروب كثيرة. 

السابق
الحياة: مهرجان حاشد للمستقبل في طرابلس يدعم المحكمة ويحمل على السلاح والحكومة
التالي
الانباء: الحريري غاب شخصياً وحضر جماهيرياً في مهرجان خريف السلاح وربيع الاستقلال