الفشل المذهبي

قد يعبر أعضاء من حزب الله، عن رغبتهم في دولة شيعية في لبنان، لكن القيادة لم تقدم أدلة كافية على أن هذا هو اختيارها في المدى المنظور، ولعل تناقضات الحكومة الحالية في لبنان، والتي ولدت في بيت الحزب، تؤكد ان حكومة اللون الواحد، أو اللون المهيمن، في بلد متعدد، في غاية الصعوبة، بصرف النظر عن حجم نفوذ حزب الله، الذي يقلل منه البعض ويبالغ فيه آخرون.
طبعاً، ليس هناك مانع ولا إلحاح ايديولوجي، لدى حزب الله، للشروع في إنشاء دولته الشيعية، وان كانت الدولة الاسلامية (المذهبية في المحصلة) هي هدف كل فصائل الاسلام السياسي، محلاة بقشرة ديمقراطية مؤقتة أو من دونها، غير ان حزب الله، يبدي، احياناً، استيعاباً للثقافة المجتمعية اللبنانية التعددية، المانعة أي مغامرة شمولية، ما يعني ان الفشل سوف يكون في انتظار الحزب او غيره، اذا اقترف هذه «الفضيلة» التي تضيق عن تأصيلها المنظومة العقدية والذاكرة الشيعية ولا تكفي ولاية الفقيه (كحكم فرعي) وضرورة سياسية ايرانية (حصراً) لاسنادها، بعدما تعرضت الى اهتزاز عميق في بلد المنشأ.
قد يرى العقلاء في حزب الله، أنهم يخسرون حزبهم ومقاومتهم وطائفتهم ووطنهم، اذا هم اقدموا على هذا الفعل، رغم قدرة الحزب عليه اذا ما قاس الأمور على حجم المقاومة وقوة سلاحها وعديد الحزب وعدد ابناء الطائفة وقوة الدعم الخارجي المشكوك مع توسع الربيع العربي في بقائه على حاله.
لم ينجح حزب الله في تشكيل الحكومة الشقاقية في لبنان، ولكنه لم يفشل، باعتبار ان هيمنته لم تغره، حتى الآن، بالاستئثار على حلفائه وخصومه، واذا وقع في الاغراء وطمع او طمح الى أكثر، كان فشله اشد ذراعة.
في العراق، بعد سقوط النظام، وقع بعض السنة في الخطأ، عندما اظهروا وكأن سقوط النظام خسارة لهم، وان السياق التاريخي السني للعراق قد انكسر، ولكن هذا التصور لم يمنعهم من الدخول المتصاعد في العملية السياسية ما كان مفروضاً ان يؤدي الى مسح الخطأ. غير أن الخطأ الشيعي كان اغراء للسنة بالعودة الى الخطأ الذي يغري الشيعة بالخطأ كذلك.
لقد كان الخطأ الشيعي في البداية هو تصور بعضهم ان في امكانهم ومن حقهم (المذهبي) الذي قد لا يتطابق مع الحق او الواجب الوطني، أن يرتبوا على عددهم وحرمانهم التاريخي، دولة من دون شراكة وطنية كافية، كشف الفشل في تحقيقها لاحقاً، ان العصبية تسقط معايير الكفاءة من حساب الدولة، حيث ان الكفاءة والنزاهة من شروط المشروع الوطني لا الطائفي ولا حتى الحزبي.لقد كانت هذه النبرة الشيعية مفهومة، نظراً لالحاح النظام البائد على تجريم الشيعة والفتك بهم مع غيرهم من السنة العرب والاكراد، وان كان نصيبهم من الفتك اكثر.
وكان مقدراً لهذه النبرة، او النتعة، ان تقف عند حد، عندما لمس المعنيون الشروط الميدانية لبناء الدولة، والشروط العربية للكيان، فأيقنوا ان دولة بغلبة شيعية «كاسحة» تجعلهم يخسرون العراق من دون ان يربحوا الطائفة، وتحمل خطر تحويل الاكثرية الشيعية في العراق، الى اقلية عربية يلعب فيها وبها العرب وغير العرب.

ألم يكن الحل الامثل هو الدولة الوطنية التي يحتاج بناؤها الى زمن وصبر وحكمة وشراكة؟ ويحتاج الى تأسيس لم ينجز… ولم يكن شفافاً الكلام الذي قيل عن النية في بنائها… وكانت السلطة، بما هي غنيمة من حرب الآخرين، هي البديل على اساس المحاصصة، فماذا يقول الجمهور الذي يعاني؟ يقول بأن الشيعة كقوة فاعلة، كانوا الأمناء على فكرة دولة المواطنة، بسبب معاناتهم من دولة الاختزال والمصادرة، ولكنهم (كطبقة سياسية) لم يبنوها، من دون ان يستطيعوا التنصل من مسؤولية عدم بنائها كما وعدوا، باعتبار ان اكثر المقاليد بأيديهم.

ما جعل مذهبيين آخرين (من السنة – عدنان الدليمي مثلاً) محكومين بنستالجيا سلطة لم تكن لهم بل كانت عليهم، ولم تقصر في قتلهم، يجاهرون بأن الدولة في العراق شأنهم واختصاصهم، مثبتين او متضامنين مع امثالهم من اهل الشيعية السياسية، ان المنظار المذهبي يحجب الحقائق الوطنية.
ليس الخطأ الشيعي بديلاً للخطأ البعثي، وليس الخطأ السني بديلا للخطأ الشيعي، والفشل البعثي لا يعني النجاح الشيعي، والفشل الشيعي لا يعني النجاح السني. ويلزم الجميع بالتمييز في المجال السياسي، بين المذهب والمذهبيين، حتى لا يبقى العراق ميداناً للارتكابات المذهبية، التي يبرر بعضها نفسه بالبعض الآخر امعاناً في الضلال والتضليل.  

السابق
محتجون امازيغ يتظاهرون في ليبيا
التالي
حوري: الحكومة تلفظ أنفاسها الأخيرة بغض النظر عما سيحصل الأربعاء