الربيع الإيراني يطل عبر دمشق حرة

يسعى النظام الديني المتطرف في إيران, وبمختلف الطرق والوسائل, الى إبعاد كرة النار عن حضن النظام السوري, الذي ترى العديد من الاوساط السياسية المهمة في المنطقة والعالم, بأنه على طريق فقدان كل مقومات الشرعية للبقاء, ويقينا ان رجال الدين الحاكمين في طهران يعلمون مقدار الخطر الكبير الذي بات يهدد حليفهم الرئيسي والستراتيجي في المنطقة النظام السوري وان سقوطه يعني وفق الحسابات السياسية تعبيد الطريق الى طهران وجعلها مفتوحة أمام مختلف الخيارات والاحتمالات القائمة التي تقود في النهاية الى أهم وأخطر عملية تغيير في المنطقة والعالم منذ سقوط نظام الشاه عام .1979

الربيع العربي الذي كان وقع مفاجأته على ملالي طهران وقم أكبر وأمضى أثرا مما يماثله على مختلف الاوساط والدوائر الحاكمة في العالم, بل وانه كان بمثابة الزلزال الذي غير تضاريس الارض السياسية وطبيعتها التقليدية أمام النظام الايراني وجعله في مواجهة واقع جديد مختلف بالمرة عن سابق أمره, بحيث انه وبعد ان كان يعتبر نفسه أهم طرف بإمكانه تحديد معالم وأوصاف المستقبل المنظور, صار طرفا عاديا يضرب أخماسا بأسداس وينتظر قدوم الغد ليعرف ما يخبأ له القدر من أمور وخفايا.
لربيع العربي وبعد ان دك دمشق وفاح عبير الياسمين الشامي بنسائمه الحقيقية, لم يكن هذا الحدث مهما لكونه سيسقط نظاما ديكتاتوريا عربيا آخر, وانما تجلت أهميته الفائقة لكونه سيشعل الاضواء الحمراء بوجه نظام ولاية الفقيه ويهز الارض من تحت أقدامه, كما توقع معظم المراقبين والمحللين السياسيين في مختلف أرجاء العالم, ولم تطلق كل هذه التوقعات من فراغ واعتباط, بل وصارت كأمر واقع حينما بدأت التخبطات والارتباكات تطال تصريحات وأحاديث أبرز قادة النظام وعلى رأسهم مرشد النظام الخامنئي ذاته, ولاسيما عندما طفقوا يطرحون قراءات وتفسيرات العديد منها مثيرة للسخرية بخصوص الربيع العربي وتحديدا ما يتعلق بالبحرين وسورية,

إذ في الوقت الذي يثور الشعب السوري ضد نظام بشار الاسد, فقد قام النظام الايراني باستغلال ملفت للنظر للمسألة الطائفية في البحرين, وسعى الى واحدة من أخبث اللعب السياسية عندما أراد تصوير الفتنة الطائفية في البحرين على أنها ثورة من ثورات الربيع العربي, ولو قدر للنظام الايراني التوفيق في مسعاه هذا, فإنه كان سينجح بتحريف الربيع العربي عن مساره الاصلي والواقعي ويصادره بما يتوافق ومصالحه وأهدافه السياسية, وفي الوقت نفسه أبدى النظام الديني المتطرف شكوكه وتوجسه في ثورة وانتفاضة الشعب السوري ضد النظام السوري في الوقت الذي يعلم الجميع انه ليس هناك من نظام ديكتاتوري شمولي قمعي يصل الى مستوى النظام السوري في دمويته ووحشيته وقسوته في التعامل مع الشعب السوري, بل وانه وبعد سقوط نظام البعث العراقي صار نظام البعث السوري بقيادة بشار الاسد يحظى بلقب النظام الاعنف والاقسى والافظع ديكتاتورية وقمعا على الصعيد العربي, أما على صعيد المنطقة فيأتي تسلسله الثاني بعد النظام الايراني.
لا ريب من أن الايام بقدر ما تمر سريعة والاحداث تتوالى على المنطقة, فإنها تمر بثقل ورتابة غير معهودتين على كل من النظامين الايراني والسوري, ذلك أن كلاهما يعدان اللحظات وليس الايام والأشهر ويتحسبان من المستجدات والتداعيات التي ستترتب على الاحداث, وهما يعملان من دون هوادة من أجل تلافي الوقوع تحت عجلات التغيير في المنطقة, وبقدر ما يحاول النظام الايراني بذل كل محاولاته ومساعيه من أجل إنقاذ نظام الاسد, فإنه قد وظف معظم جهوده الخاصة المتاحة عبر البوابتين العراقية واللبنانية وتكثيف مساعيه في سبيل هدفين رئيسيين هما:
¯ الضغط على الحكومتين العراقية واللبنانية من أجل دعم موقف النظام السوري عربيا وعدم السماح بموقف موحد يجمع على إدانة النظام الديكتاتوري السوري, بالاضافة الى عدم السماح لاستخدام الاراضي العراقية واللبنانية لتنفيذ عمليات عسكرية او تجسسية ضد دمشق.

¯ إغلاق "معسكر أشرف" الذي أدى دوراً كبيرا في فضح مخططات ودسائس ومكائد النظام الايراني في العراق, مثلما أدى دورا بارزا في إذكاء الرفض الجماهيري داخل إيران ضد الملالي, خصوصا في انتفاضة عام ,2009 وان بقاء هذا المعسكر رغم كل الجهود والضغوط المختلفة التي بذلها النظام الايراني خلال الاعوام السابقة التي تلت سقوط النظام العراقي السابق, جعلته يتوجس ريبة من كل الاحتمالات والسيناريوهات القائمة. والذي يرعب النظام الايراني أكثر من أي شيء آخر, هو أن الانتفاضات والثورات التي تجتاح قسما من الدول العربية, هي عفوية وتفتقر غالبية الاحيان الى قيادة او بديل جاهز, لكن الحالة الايرانية تختلف تماما إذ أن "معسكر أشرف" يمثل بديلا سياسيا وفكريا جاهزا للنظام خصوصا فيما لو راجعنا موقف منظمة "مجاهدي خلق" عبر العقود الثلاثة الماضية, والتي شهدت كفاحا مريرا من أجل تغيير النظام الديني الاستبدادي واستبداله بآخر يكفل حرية وكرامة الشعب الايراني, ويضمن له حياة ومستقبلا أفضل.

ويبدو أن دول المنطقة, ولاسيما الخليجية منها, قد ضاقت ذرعا بالدور المشبوه للنظام الايراني في المنطقة ومخططاته العدوانية التي لها اول وليس آخر, باتت تتطلع بفارغ الصبر الى المنطقة من دون نظام يؤدي دور"القبضاي" ويثير المتاعب والازمات هنا وهناك, وقطعا فإن النظام الايراني قد تلقى الرسالة الخليجية وفهم مضمونها جيدا, لكنه كعادته يحاول الاستفادة من عامل الزمن واستغلاله جهد الامكان (كما فعل ويفعل مع المجتمع الدولي), في سبيل إحداث ثغرات في جدار الرفض المشيد ضده, لكن الامر الواضح جدا هو أن تكافل الجهود العربية خصوصاً مع الجهود الدولية من أجل مناصرة ثورة الشعب السوري, سيكون الطريق الامثل والاصح لمستقبل زاهر وآمن للمنطقة, إذ ان سقوط النظام السوري سيكون كفيلا ببتر أيادي النظام الايراني في المنطقة وخصوصا في لبنان وفلسطين, مما سيسحب بساطا مهما من تحت أقدامه ويجعله في موقف صعب لا يحسد عليه أبدا.
الحديث عن ربيع إيراني حقيقي, لا يمكن مع بقاء النظام السوري, وكلما كان هنالك قمع واستبداد وخوف ورعب في دمشق, فإن النظام الايراني باق وجاثم على صدر الشعب الايراني, في حين أنه كلما انقشع ظلام الاستبداد والخوف والقتل بدم بارد من دمشق, كلما أزهرت وأينعت زهور وثمار الحرية في طهران, الربيع الايراني يا سادة وباختصار شديد يطل عبر دمشق حرة!  

السابق
سوريا.. العقوبات لا تردع ولا تسقط
التالي
الفتاة العملاقة.. تبدأ بتجربة دواء اختباري