هل يُعاقَب ميقاتي إذا استقالت حكومته؟

مضت اسابيع و"حزب الله" يؤكد أمرين. الاول، عدم موافقته على تمويل لبنان "المحكمة الخاصة" به، وعدم تمادي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في التزامه التمويل امام الخارج. والثاني، تمسكه بالحكومة الحالية ورفضه استقالتها. الدافع الى الامر الاول معروف وهو اعتباره المحكمة غير دستورية وغير ميثاقية وغير قانونية ومسيَّسة هدفها النيل منه لمصلحة اميركا واسرائيل وجهات لبنانية عدة. والدافع الى الامر الثاني معروف بدوره وهو احتمال الاخفاق في تأليف حكومة جديدة جراء وقوف لـ"نواب الوسط" وقد يلغي الغالبية البرلمانية الحالية لـ8 آذار وتحيي الامل في استرجاعها لـ14 آذار. ومن شأن ذلك إرباك "الحزب" وحلفائه لأن ميقاتي سيستمر رئيساً ولكن لحكومة تصريف اعمال، ولأنه لن يستطيع الحصول على ما قد يحتاج اليه من قرارات في مجلس الوزراء لتعزيز امساكه بالبلاد، ولأن ذلك يعزز الوضع السنّي لميقاتي في البلاد، ويكشف الوضع الشيعي اذ ان اقطابه قد يضطرون عندها في حال كهذه الى التصرف من دون غطاء شرعي اذا احتاجوا الى ذلك.

ومضت اسابيع ايضاً ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي يحاول الابتعاد عن المواجهة بسبب التمويل مع "حزب الله" والمجتمع الدولي والجمهور السنّي الذي التزم امام مجلسه الشرعي الاسلامي احترام "ثوابته" الوطنية بعد تأليفه الحكومة. فهو اصرّ على التمويل. ولم يغيّر موقفه. لكنه لم يعتمد لغة التحدي والاستفزاز لأنه كان يأمل في ان يلاقيه "الحزب" في منتصف الطريق. وحاول قدر الإمكان تلافي سلوك الطريق الصعبة اي طريق الاختلاف العلني مع هذا "الحزب" وجمهوره وحلفائه وتالياً طريق المواجهة، لكنه لم يقل يوماً انه سيتخلى عن تمويل "المحكمة". وعندما اقترب استحقاق التمويل من نهايته جهر ومن على شاشة الـ ال.بي.سي بتأكيد التمويل والاستقالة في حال رفض مجلس الوزراء ذلك.
 هل الامور بالبساطة التي يراها الرئيس ميقاتي؟ اي هل يستطيع هو الذي جاء الى رئاسة الحكومة على صهوة جواد "حزب الله" والنظام السوري، وهو الذي راهن عليه الإثنان لتنفيذ "اجندتهم" الاساسية، وهي اقليمية، هل يستطيع التخلّي عن التزاماته حيالهما وتركهما في وضع صعب لا بل على زيادة صعوبته؟

عن هذا السؤال يجيب لبناني مثقف ومهضوم ويتعاطى الشأن العام من دون احتراف له ومتّصل بـ"الحزب" وربما بسوريا يجيب بالحديث عن الفِرَق الموسيقية العالمية الكبيرة المتخصصة في عزف الابداعات الكلاسيكية، فيقول اولاً، ان دور أي عازف رئيسي في الفرقة مثلاً مهم جداً. إذ ان اي نشاز منه يعطِّل الحفل سواء اذا اخطأ في قراءة "النوتة" او في متابعة حركات "المايسترو". ويقول ثانياً، ان قائد الفرقة هو صاحب الكلمة فيها. ويقول ثالثاً، ان العازف المشار اليه لا يستطيع ان يخطىء، وخصوصاً اذا تعمّد ذلك، لأنه يستثير بذلك قائد الفرقة واصحاب المسرح والمشاهدين. وطبيعي ان يعرّضه ذلك للعقاب. ويقول رابعاً، ان الرئيس ميقاتي الآن هو عازف الكمان السياسي المهم. اما قائد الفرقة فهو "حزب الله". واستقالة حكومته إذا قدّمها ستُغضب "الحزب" وجمهوره. كما ستغضب حلفاءه في الداخل والخارج. ذلك ان "نشازه" السياسي سيهدِّد او بالاحرى يؤذي الرئيس بشار الاسد والحزب وشعب لبنان. في حين ان عزفه الصحيح ينجِّي كل هؤلاء او يخفف الخطر عنهم.
هل يعني ذلك ان استقالة حكومة ميقاتي ستعرِّضه للعقاب ومعه لبنان وشعوبه؟

يمتنع اللبناني المثقف والمهضوم نفسه عن الخوض في جواب عن هذا السؤال. لكنه يلفت الى ان بشار الاسد في حشرة كبيرة، والى ان ميقاتي لم يره في حياته محشوراً على هذا النحو، والى انه صار الآن حاجة فعلية ماسة له. فهل يختار ميقاتي ان يضاعف من حشرة صديقه بشار ونظامه او ان يخفف منها؟ وهل يختار ان يحشر الاسد وحاميه حزب الله بإغلاق باب لبنان الذي هو المتنفس الوحيد لهما في هذه المرحلة؟
الحزب ونظام سوريا يراهنان على عدم استعداد عنده لطعنهما في الظهر. وهو يقول انه لا يفعل ذلك. لكن من يحدّد إذا كانت استقالته طعنة في الظهر أم لا؟ وهل "الخروج من الحمّام زي دخوله" على قول إخواننا المصريين؟ وهل امل "إمرار" "الحزب" التمويل لا يزال قائماً؟ 

السابق
إسرائيل تهذي
التالي
دمشق تجاهلت ولم توقّع البروتوكول…والجامعة نحو فرض عقوبات