ماذا بقي من شعار إسقاط الحكومة بعد أن أسقطها أهلها؟

ما بين مقابلة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي التلفزيونية ليل أمس الأول، ومهرجان الاستقلال الذي ينظمه تيار المستقبل بدعوة شخصية من الرئيس سعد الحريري في معرض رشيد كرامي الدولي بعد ظهر يوم غد، مسافة زمنية ستفسح في المجال أمام المهتمين ومن يعنيهم الأمر لمناقشة وتحليل وفهم الرسائل التي أراد رئيس الحكومة إيصالها الى التيار الأزرق، في ظل اتساع حجم المخاوف التي تعتري اللبنانيين، بعدما بدأت العاصفة الاقليمية تلفح عتباتهم، وفي ظل اصرار «المستقبل» على استعراض قوته مركزيا في مدينة طرابلس والضغط في ثلاثة اتجاهات في وقت واحد نحو: الحكومة الميقاتية، النظام السوري وسلاح حزب الله، مع إعطاء الأولوية للاتجاه الأول بهدف تصفية الحساب المؤجل مع نجيب ميقاتي منذ قبوله تولي رئاسة الحكومة قبل تسعة أشهر.
من هذا المنطلق، ترى مصادر في «تيار المستقبل» أن مقابلة ميقاتي التلفزيونية «أعطت المهرجان زخما ودعما إضافيين، من خلال إعلان رئيس الحكومة عن عدم قدرته الاستمرار ضمن الأجواء السياسية الضاغطة التي تحيط به، ما شكل صدقية لكل الأوصاف التي أطلقتها المعارضة على الحكومة الميقاتية». وأكدت المصادر لـ«السفير» أن المشهد الجماهيري يوم الأحد «سيكون مدهشا للقاصي والداني لجهة حجم الحضور وسيؤكد بالتالي قوة «تيار المستقبل» وحلفائه، ومدى التزام المواطنين بدعوة الرئيس سعد الحريري».
ولم تشأ هذه المصادر حسم مشاركة الرئيس الحريري في المهرجان سواء عبر الحضور الشخصي أو عبر إلقائه كلمة بواسطة شاشة عملاقة من مقر إقامته في باريس، لكنها أشارت الى «أن 200 عنصر أمني من بيروت (بيت الوسط) سيتولون الحماية الأمنية للمهرجان وأن الكلاب البوليسية ستستقدم اليوم السبت لتجول في أرجاء المعرض الدولي ضمن التدابير الأمنية المتخذة في هذا المجال»، لافتة الانتباه الى «أن المهرجان قد يتضمن مفاجأة من العيار الثقيل بحضور الرئيس الحريري، لكن هذا الأمر يعود إليه شخصيا وهو من يقرر ذلك، وأن أقرب المقربين إليه لا يعرفون القرار الذي سيتخذه بهذا الخصوص، مؤكدة أن التنظيم يراعي كل هذه الاحتمالات».
واشارت مصادر المنظمين، ليل أمس، الى أن المهرجان سيتخلله خمس كلمات، بعدما اضيفت كلمتان للنائب محمد كبارة والرئيس فؤاد السنيورة الى جانب كل من سمير الجسر وبطرس حرب ومروان حمادة، من دون الجزم في ما اذا كان الحريري سيلقي كلمة أم لا في المهرجان.
في المقابل، ثمة قراءة مختلفة لأوساط طرابلسية مقربة من ميقاتي وجدت «أن مواقف رئيس الحكومة في مقابلته التلفزيونية برّدت الأجواء في طرابلس وفرّغت مهرجان «إسقاط الحكومة» من شعاره الأساسي»، معتبرة أن «ذلك أربك تيار المستقبل الذي بدأ يقدم الشعارات المناهضة للنظام السوري وسلاح «حزب الله» على شعار إسقاط الحكومة بعدما اكتشف أن ميقاتي سبقه في الموقف المتعلق بالمحكمة الدولية، وأن ميقاتي عطل من خلال تلويحه بالاستقالة في حال عدم إقرار بند تمويل المحكمة الدولية كل صواعق الاستثمار الطائفي والمناطقي لهذه القضية، وحال دون تحويل طرابلس ساحة للصراع بين الطرفين».
وبحسب هذه الأوساط فان «الشرح الذي قدمه ميقاتي حول موقف الحكومة اللبنانية في الجامعة العربية وأهمية النأي بلبنان عن كل ما يختص بسوريا قد أدى أيضا الى إضعاف حجة التيار الأزرق في هذا المجال»، حيث دعت هذه الأوساط تيار المستقبل لأن «يتوجه الى الداخل السوري للاستمرار في دعم معارضته، وليس الى اللبنانيين الذين وجدوا في موقف رئيس حكومتهم حماية لأمنهم ولمصالحهم الاقتصادية والمعيشية».
ورأت الأوساط الميقاتية «أن على تيار المستقبل أن يشكر ميقاتي في مهرجان الاستقلال كونه سبقه وسبق رئيسه «ولي الدم» في حماية المحكمة الدولية والتضحية برئاسة الحكومة كما لم يفعل أحد من قبله من أجل إقرار تمويلها».
كما ترى هذه الأوساط أن رئيس الحكومة وجه أكثر من رسالة يجب على الجميع أن يدرسها بدقة وأن يفهم معانيها:
أولا: إن كلامه عن الاستقالة ليس خوفا من «المستقبل» أو مسايرة له أو لقوى 14 آذار، وإنما بناء على قناعة يفرضها عليه حسه الوطني، وحرصه على أمن واستقرار لبنان وانتمائه لطائفته.
ثانيا: قطعه الشك باليقين بأن حكومته ليست حكومة أي جهة سياسية، وأنه لا ينفذ أية «أجندات» داخلية أو إقليمية أو خارجية، وأن كل الأطراف اللبنانية بمعارضتها وموالاتها تقف عند باب قناعاته.
ثالثا: تأكيد ميقاتي على أنه ليس لقمة سائغة في طرابلس وأن له حضوره وله جمهوره الواسع، ولعل الابتهاج الطرابلسي باطلالته التلفزيونية بعد غياب والذي عم كل مناطق المدينة وتخلله إطلاق نار كثيف هو أكبر دليل على أنه قادر على حماية مدينته التي يقاتل عنها ولا يقاتل بها.
رابعا: الحرص الكبير الذي أبداه ميقاتي على دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وعدم دخوله في أية مفاوضات أو تسويات حوله من خلال موقفه الواضح بلجوئه الى الاستقالة، وحرصه المماثل على المقاومة من خلال عدم فتح المجال أمام المجتمع الدولي لمدّ يده الى لبنان.
في غضون ذلك، تتواصل حملة التعبئة العامة لحشد أكبر عدد ممكن من المؤيدين والأنصار لـ«مهرجان الاستقلال» الذي انتهت الاستعدادات اللوجستية له لجهة إقامة المسرح وتجهيزه ووضع الكراسي على كامل مساحة قاعة المعارض في معرض رشيد كرامي الدولي البالغة بحسب المنظمين 25 ألف متر مربع، وتشير المعلومات الى أن الأمين العام أحمد الحريري الذي وصل أمس الى طرابلس مع فريق من المشرفين، أقام ما يشبه غرفة العمليات في فندق «كواليتي ان» وقد أعطى تعليمات صارمة لكل منسقي المناطق اللبنانية بضرورة إطلاق النفير العام للتشجيع على حضور المهرجان، في حين أشارت معلومات الى جهود كبيرة تبذلها «القوات اللبنانية» والقوى المسيحية المحسوبة على قوى 14 آذار في مناطقها لتحريك جمهورها باتجاه طرابلس ظهر يوم غد الأحد.
وفي الوقت الذي تتجه فيه منطقة معرض رشيد كرامي الدولي لتكون منطقة عسكرية بفعل التدابير الأمنية الاستثنائية التي ستتخذها القوى الأمنية على تنوعها، أصر المنظمون على تبديل باب الدخول الى قاعة المهرجان من الباحة الرئيسية المواجهة لمستشفى النيني والتي سيخصصها المنظمون للسيارات الى باب مدخل المسرح العائم المواجه تماما لمنزل ومكاتب الرئيس ميقاتي الذي سيكون في حينها في روما تمهيدا للقائه البابا بنديكتوس السادس عشر، الأمر الذي يجد فيه البعض من مناصري رئيس الحكومة «محاولة لصب الزيت على النار خصوصا أن المشاركين ينتمون الى مناطق ومشارب مختلفة وقد لا يستطيع أي كان أن يضبط توجهات كثير من المتحمسين القادمين من خارج طرابلس».  

السابق
باسيل: خمس قضايا يتوقف عليها بقاؤنا في الحكومة او اعتكافنا
التالي
جعجع: الدولة القوية تكون باستلام قوى 14 آذار السلطة الاستقرار والثقة يحتاجان الى بلد لديه حدود معروفة وسلطة تحميها