رحيـل فنـان النمـط البسيـط … كريم ابو شقرا

تستحيل الكتابة على الفنان اللبناني كريم أبو شقرا، المتوفّى أمس الجمعة عن ثمانية وستين عاماً، من دون التنبّه إلى واحدة من المراحل السينمائية اللبنانية المرتبكة، التي عانت الأمرّين على مستوى الهوية والمضمون تحديداً، جرّاء ظهور الرساميل المصرية في بيروت إثر قرارات التأميم الناصرية مطلع الستينيات المنصرمة. تستحيل الكتابة عليه، من دون الإشارة إلى واقع النتاج السينمائي اللبناني أثناء الحرب الأهلية، لمشاركته الفعّالة في إضفاء منحى لبناني بحت على أفلام لا تزال عاجزة عن التحوّل إلى صناعة متكاملة. كريم أبو شقرا، الفنان المسرحي والكاتب الذي استعان بأدوات فنية شتّى لبلوغ جمهور مال إلى الضحك العفوي والعادي، أكاد أضيف المسطّح أحياناً، بات جزءاً من الارتباك اللبناني والالتباس الفني اللذين صنعا حكاية البلد ونتاجاته الفنية.
ارتباك
بين المسرح في ذروة تألّقه المنضوي في إطار الشانسونييه، والسينما التي شارك فيها منذ وصول مخرجين مصريين إلى بيروت نهاية الستينيات المنصرمة نفسها، شكّل كريم أبو شقرا حالة استفزّت مثقفين ونقّاداً، وجذبت مُشاهدين تحوّل بعضهم إلى روّاد أساسيين على صالات تعرض أعماله. بين المسرح والسينما، لم يتكبّد الراحل عناء تطوير اشتغاله التمثيلي، لاكتفائه بحضور راسخ في وجدان كثيرين، رافقوه من الشانسونييه إلى صالة السينما، أو ذهبوا إليه بإرادتهم، بحثاً عن لحظة صفاء واستقالة من وجع الخراب، وضجر الأيام والعمل. فهو، ببساطته وعفويته وجمال حضوره وسط الناس والمحبّين، حافظ على نسق واحد تقريباً في مقاربة الشخصيات وكتابتها، أو في معالجة المواضيع وتمثيل أدوارها. وهو، بوقوفه على الحافة الأخيرة للفن الجميل قبل انزلاقه (الفن الجميل) في متاهة التفريغ والتبسيط القاتلين، بدا كأنه الحارس الأمين لاختراع خاصّ به: جعل النكتة السياسية أو الجنسية أساس مسرح قائم على السخرية المرّة.
لكن كريم أبو شقرا انزلق إلى فخّ النكتة السياسية أو الجنسية، الباهتة أحياناً كثيرة، في أعماله المسرحية، لأنه وجدها خير جاذب لأناس سئموا الخضوع لابتزاز السياسيين، أو لقواعد الأخلاق الحميدة، المضروبة أصلاً إما على أيدي رجال الحرب والموت والعنف، وإما بسبب الاهتراء الحاصل في جسد المدينة وروحها. أما السينما، فحالة مستقلّة بحدّ ذاتها، مع أنها لم تقدّم للراحل إضافات إبداعية، لأنها وُلدت من ثقافته المرتكزة على البساطة الجميلة، قبل وقوعها في المتداول حينها. في السينما، حاول أن يساهم في جعل الصورة المتحرّكة منفذاً للتسلية، أو سبيلاً إلى التنفيس عن الذات المُرهَقة. ربما لهذا لم يتبدّل ولم يسع لتغيير: شخصية الرجل المهووس بالنساء الجميلات، الواقع في مآزق يومية شتّى، والباحث الدائم عن خلاص منها بأية وسيلة ممكنة. ومع أن التجربة الأولى الخاطرة على البال إثر شيوع نبأ رحيله، متمثّلة بمشاركته في التمثيل ضمن فريق «سارق الملايين» (1968) للمصري نيازي مصطفى (تأليف عبد الحيّ أديب، حوار بهجت قمر)، إلاّ أن اشتغالاته السينمائية انحصرت في أفلام وقّعها سمير الغصيني (أكثر المخرجين اللبنانيين تحقيقاً للأفلام، إلى جانب محمد سلمان) ووئام الصعيدي، بالإضافة إلى تجربة «سورية» خاضها مع رفيق السبيعي في «شيطان الجزيرة» (1978).
  

السابق
النجاح المهني عند اللبنانيات
التالي
باسيل: خمس قضايا يتوقف عليها بقاؤنا في الحكومة او اعتكافنا