السفير: ما بعد سقوط الحكومة: لبنان ساحة لاشتباك إقليمي كبير؟

سقطت حكومة نجيب ميقاتي سياسيا!
لعل هذا السقوط الافتراضي، هو الاستنتاج المنطقي ربطا بتطورات الساعات الأخيرة التي تنبئ بأن الهيكل السياسي الذي قام على انقاض حكومة سعد الحريري، قد اخذ طريقه إلى التداعي، إن لم يكن قد تداعى بالفعل، ولم يبق سوى تحديد مراسم التشييع.
ولعل الثلاثين من الشهر الجاري، وهو الموعد الذي تقرر رسميا لطرح ملف تمويل المحكمة الدولية أمام مجلس الوزراء، قد يرسم خط النهاية لحقبة سياسية وحكومية امتدت لنحو احد عشر شهرا، ويفتح بالتالي الباب على مشهد آخر، يخشى ان يتحكم فيه المجهول، في ضوء انعدام المرجعية المحلية والإقليمية الضامنة للاستقرار وتشكيل الحكومات.
ويبدو أن مشهد التداعي قد تكوّن واكتملت عناصره، فالرئيس ميقاتي حسم أمر استقالته في حال فشل في تمرير تمويل المحكمة في مجلس الوزراء، واما شركاؤه في الحكومة الذين يشكلون اكثرية مجلس الوزراء، وفي مقدمهم «حزب الله»، فقد حسموا أنه لن يمر التمويل في مجلس الوزراء، فيما قرر رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون التسلل من هذا الباب للهجوم بمفعول رجعي متأخر على ميقاتي بتعليق مشاركة وزراء التكتل في الحكومة الميقاتية «الى حين تحسين اداء رئيسها» على حد قول عون.
سقطت حكومة نجيب ميقاتي سياسيا، بإرادة رئيسها و«عمادها»، من دون أي جهد من قبل فريق 14 آذار، حتى أن النائب سعد الحريري، كان مجتمعا في باريس، ليل أمس الأول، في منزله بمنسق الأمانة العامة لفريق 14 آذار فارس سعيد وعضو الأمانة العامة سمير فرنجية بحضور بعض معاونيه السياسيين، وكان محور الجلسة، تقييم الوضع السوري، في ضوء ما تبلّغه رئيس تيار المستقبل من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، بأن «سقوط النظام السوري بات مسألة وقت ليس إلا»، داعيا الحريري وكل فريق المعارضة إلى التصرف بمسؤولية «منذ الآن على قاعدة التغيير الحتمي في سوريا».
وتزامن الاجتماع بين الحريري وسعيد وفرنجية مع مقابلة ميقاتي، وما تخللها من مواقف، أبرزها حسم موضوع استقالته اذا لم يقر التمويل في مجلس الوزراء، الأمر الذي فرض نفسه على مداولات الحاضرين، حيث طرحت سيناريوهات ما بعد الاستقالة والى أين يمكن أن تقود الاستشارات النيابية الملزمة وكيف يتصرف وليد جنبلاط ونجيب ميقاتي ومحمد الصفدي و«حزب الله» والرئيس نبيه بري وهل يمكن أن يندفع البعض نحو حكومة مواجهة برئاسة عمر كرامي والى أين يمكن أن يقود مثل هذا الخيار؟
وطلب الحريري من تياره ومن فريق 14 آذار اعلان ما يشبه الاستنفار السياسي استعدادا للمرحلة الجديدة، محذرا من تداعيات دراماتيكية للأحداث اللبنانية والسورية، داعيا الى الاستعداد لخيار الشارع بعناوين سياسية ومطلبية واجتماعية متعددة.
وأبلغ الحريري الحاضرين أنه لن يكون بين المتحدثين في مهرجان طرابلس غدا، وأن عودته الى لبنان رهن بمسار الأحداث في سوريا، في اشارة واضحة لاستمرار رهانه على سقوط النظام السوري.
واذا كان من الصعب رسم معالم صورة ما بعد الثلاثين من الشهر الجاري، الا ان ذلك لا يحول دون طرح الاسئلة الآتية:
ـ لماذا استعجل ميقاتي سلفة الخزينة لتمويل المحكمة ووضعها في جدول اعمال مجلس الوزراء؟
ـ هل كان هناك اتفاق بين الرئيس نبيه بري والرئيس ميقاتي على تأخير البحث في ملف التمويل الى ما بعد بداية العام الجديد، واذا كان الامر كذلك، لماذا انتهت مفاعيل هذا الاتفاق، ومن انهاها، وهل ثمة من اوعز بذلك؟
 
ـ ما هو السبب الذي جعل الوقائع تتسارع وتتدحرج؟ هل هو داخلي، سوري، سعودي، اميركي، فرنسي، أم كل هذه العناصر أو بعضها مجتمعة؟
ـ لماذا قرر ميقاتي أن يضع شركاءه في الحكومة امام الامر الواقع من خلال مقابلة تلفزيونية، هل لأنه قطع
الامل بامكان التوصل الى مخرج ام انه اراد من خلال الشاشة ان يكسب «رأيه العام»، وهل نجح في ذلك؟
– هل ما جرى حتى مساء امس، بتعطيل جلسة مجلس الوزراء، هو «ردة الإجر» على ميقاتي، وهل ان مقاطعة وزراء تكتل التغيير والاصلاح منسقة مع حلفائه، وتحديدا مع «حزب الله» ام انها مجرد مبادرة فردية من عون؟ وهل ان خطوة من هذا النوع تحتمل أن تكون مبادرة من دون تنسيق مسبق مع الحلفاء؟
– هل ان خطوة عون عبر وزرائه، تنطوي على محاولة واضحة لتنفيس ورقة الاستقالة التي لوح بها ميقاتي، وللقول له ما مفاده «كما انك غير متمسك بالحكومة نحن ايضا لسنا متمسكين بها واذا كنت تريد أن تطل بمظهر البطل… ها نحن نســـبقك الى البطولة».
– هل تنطوي هذه الخطوة على محاولة لاظهار ان سلاح الاستقالة هو سلاح ذو حدين يصيب ميقاتي كما يصيب شركاءه في الحكومة، وللقول له ان في امكانه ان يستقيل، ولكن هل يستطيع العودة لاحقا الى رئاسة الحكومة، وكيف؟ وهل ان الاكثرية التي تشكلت عند تكليف ميقاتي بعد إطاحة سعد الحريري، قادرة على بلورة نفسها من جديد، وتسميته من جديد، وهل أن ميقاتي نفسه يرغب بترشيح نفسه لحكومة جديدة أم أنه يستهول المشهد الاقليمي وقرر الانكفاء حتى تتبلور معالم الصورة السورية؟
ـ لنفرض أن «حزب الله» اعاد تسمية ميقاتي، وكذلك فعل نبيه بري ووليد جنبلاط، فهل سيسميه ميشال عون، وماذا لو لم يسمه، الا يمكن ان تعتبر خطوة عون بالامس اعلانا صريحا منه بانه لن يسمي ميقاتي في اية استشارات نيابية ملزمة تحدد بعد الاستقالة؟
– بناء على ما حصل سواء بالتلويح بالاستقالة او بالخطوة العونية، هل ما زال هناك امل بالتقاط اللحظة السياسية الحالية، ام ان منحى التداعي سيأخذ سياقه الدرامي الى ما بعد 30 تشرين الثاني الجاري بمسافات زمنية؟
– هل ان الزمن الفاصل حتى موعد 30 تشرين الثاني يسمح باجراء مقايضات داخلية يمكن من خلالها تمرير استحقاق تمويل المحكمة؟
– هل ان مقاطعة وزراء تكــتل التغيــير والاصلاح ترتكز على هدف خفي يرمي الى محــاولة الحصول على مكتسبات وظيفـية وتعيينات، قبل الدخول في محاولة الوصول الى مخـرج يلبي طرح ميقاتي، من شانه ان يعدل ميزان التصويت في مجلس الوزراء لمصلحة مؤيدي التمويل؟
– هل ان ما يحصل لا يعدو كونه اشتباكا حول تفاصيل داخلية صغيرة أم أن لبنان مقبل لأن يتحول ساحة للاشتباك الكبير في المنطقة وهل يمكن أن يكون تداعي الحكومة مقدمة لتداعيات أخرى في الأمن والاقتصاد وسواهما؟
– اذا سقطت الحكومة بارادة رئيسها، الى اين سينتقل لبنان، وهل سيدخل في ازمة سياسية عميقة، والا يعني ذلك رفع غطاء عن الاستقرار الداخلي، وهل بعد سقوط الحكومة هناك فرصة اخرى لاعادة تشكيل اكثريات واقليات؟
– ما هو مصير جلسة الاربعاء، او جلسة التمويل؟ هل ستعقد، وإن عقدت هل ستقر التمويل، وان لم تقر التمويل فهل سيعلن ميقاتي استقالته فورا؟ وماذا لو لم تعقد اية جلسة اخرى للحكومة بعد الآن، هل يستقيل ميقاتي؟
– إن سقطت الحكومة، فمعنى ذلك سقوط التمويل، ولكن ما مصير البروتوكول وتعديله في اذار، الا يعني الوصول الى اذار بلا حكومة استمرار العمل تلقائيا بالاتفاقية المعقودة بين الحكومة اللبنانية والامم المتحدة، وابقاء سيف التمويل مصلتا على الدولة اللبنانية؟
ـ اذا قاد سقوط حكومة ميقاتي الى تصريف الأعمال، هل تجري الانتخابات النيابية وفق قانون الستين وعبر عدة شغل فريق 14 آذار التي تمسك بمفاصل الادارة والقضاء وبعض الأمن؟ وماذا عن رفع الأجور والمطالب العمالية وعن الصرف بعدما وضعت الحكومة لنفسها حاجزا أمام سلفات الخزينة، وهل من آلية لدفع رواتب الموظفين في القطاع العام وتسديد خدمة الدين العام؟
وكان النائب ميشال عون, قد قال في مداخلة تلفزيونية، ليل أمس، «نحن الوحيدون الذين يحق لنا الاعتراض لأن كل مشاريعنا معطلة ولا انتاج على الارض»، معتبرا أنه «اذا اكملنا هكذا بالحكومة فلا فائدة ببقائنا فيها». واشار الى اننا «مستعدون لكل الاحتمالات ولا نقبل أن يهددنا أحد في الوزارة».
وفي كلمة القاها في عشاء هيئة جبيل في «التيار الوطني الحر»، قال عون: «سنرفض اقرار تمويل المحكمة، واما ان يكون لنا حكم يحكم بدستورنا او لا يكون… وليتفضل من يخاف على امواله ان يترك الحكم للفقراء الذين لا يخافون»، مشيرا الى ان «المجتمع الدولي لا يمكن أن يفرض على لبنان ما لا يريده».
ومن المقرر ان يترأس عون اليوم اجتماعا تشاوريا للتكتل لاتخاذ الموقف بالنسبة الى جلسة التمويل الاربعاء، فيما يتوجه ميقاتي غدا الى الفاتيكان في زيارة رسمية تستمر لمدة يومين.  

السابق
النهار: 14 آذار والحريري يستعيدان المبادرة غداً من طرابلس
التالي
حكومة ميقاتي تسعد لتصريف الاعمال إلاّ إذا..!