الراي: لبنان على شفير أزمة مع اقتراب الحسم في شأن تمويل المحكمة

وضع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فريقيْ الصراع السياسي في لبنان في قوى 8 آذار و 14 آذار وعبرهما مجمل الوضع الحكومي والسياسي أمام لغز محيّر قد لا يكون لدى ايّ جهة معطيات جازمة حوله قبل أوان حسمه فعلا بعد ايام قليلة .
ولم يكن غريباً ان تسود امس مختلف الاوساط السياسية حالة هي اشبه بالغوص في التكهنات حيال إمكان ترجمة ميقاتي تلويحه الواضح بالاستقالة من رئاسة الحكومة اذا سقط بند تمويل المحكمة الدولية في مجلس الوزراء ام ان في الامر مناورة سياسية ضخمة تخفي قطبة مخفية او مفاجأة لن تؤدي بالوضع الى فراغ حكومي .

ذلك ان ميقاتي تعمد اختيار توقيت مدروس باتقان لتفجير «قنبلة» التلويح بالاستقالة عبر حديثه التلفزيوني مساء الخميس لبرنامج «كلام الناس» (عبر تلفزيون LBC)، الامر الذي عدّه المراقبون دفعاً دراماتيكياً لتحدي تمويل المحكمة نحو ذروته قبل ستة ايام فقط من الموعد الذي التزم رئيس الحكومة ان يحسم فيه هذا المأزق في جلسة مجلس الوزراء الاربعاء المقبل في 30 نوفمبر .

واكتسب هذا التوقيت حصراً ابعاداً متعددة الجانب يمكن اجمالها بالاتي :
اولاً: اختار ميقاتي التلويح بالاستقالة قبل ثلاثة ايام من المهرجان الذي يقيمه «تيار المستقبل» في طرابلس غداً والذي، وإن كان تنظيمه يجري تحت شعار احياء ذكرى الاستقلال، فهو ضمناً موجّه بالكامل ضد ميقاتي في مسقط رأسه لاظهار قوة زعامة الرئيس سعد الحريري في الشارع الطرابلسي خصوصاً والسني عموماً وحشر ميقاتي في هذه الزاوية الشديدة التأثير عليه. وبتلويحه بالاستقالة من اجل تمويل المحكمة ، بدا واضحاً ان ميقاتي يسعى الى نزع عصَب القوة او التخفيف منه لدى الزعامة الحريرية في اندفاعها نحو إضعافه ونزع مشروعية استمراره في السلطة وإظهار تراجُع موقعه، وكأنه يعطّل بذلك هجمة المعارضة عليه او يحاول إفراغها من مضمونها. ثانياً: وجّه ميقاتي الرسالة الاقوى الى حلفائه في الحكومة وفي مقدمهم «حزب الله» بانه لا يقوى على الاستمرار في الحكم في حال سقوط تمويل المحكمة وبان ثمن هذا البقاء سيكون فرض عقوبات على لبنان من المجتمع الدولي. وهو الامر الذي يضع الحزب في اقصى درجات الإحراج امام خيار الحفاظ على الحكومة او التضحية بها، وكذلك تحميل الأطراف الآخرين في الحكومة تبعة البحث عن مخرج من الآن وحتى الاربعاء المقبل بعدما صارت الاستقالة بمثابة سيف مصلت على الجميع.
ثالثاً: جاءت خطوة ميقاتي متزامنة مع الزيارة التي يقوم بها رئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ديفيد باراغوانث لبيروت منذ ثلاثة ايام وعلى مسامعه، ما يوفر لميقاتي صدقية تامة في نظر المحكمة في سعيه الى ترجمة تعهداته. وهو الامر الذي ترصده باهتمام البعثات الديبلوماسية الغربية التي يرجح ان موقف ميقاتي قد أثار ارتياحاً لديها لجهة التزامه تعهداته، ولكن ربما يكون أثار لديها ايضاً قلقاً من احتمال حصول فراغ حكومي في لبنان لا تحبّذ الدول الغربية حصوله في هذه الظروف الشديدة التعقيد في المنطقة.

وتبعاً لهذه العوامل الثلاثة، ثمة من يعتقد ان باب المفاجآت لم يقفل بعد، لان هناك عاملاً رابعاً لم يتضح في مبادرة ميقاتي التي يشكك خصومه في احتمال كونها مناورة كبيرة سرعان ما قد تتكشف خيوطها قريباً، وهو العامل السوري الذي لا يُسقطه المراقبون من الحسبان خصوصاً في ظل الحاجة السورية المتعاظمة لحكومة ميقاتي التي تكاد تكون وحدها في الدفاع عن النظام السوري في المواجهة القاسية التي يخوضها مع الجامعة العربية. ويعتقد هؤلاء ان الايام القليلة المقبلة ستكون حاسمة فعلا في تظهير حقيقة العامل السوري، وما اذا كان قادراً او لا يزال ممسكاً بخيوط اللعبة الجارية عبر تمرير التمويل بتوفير بضعة أصوات لوزراء في لعبة تصويت تكتسب طابعاً متعمدا كرسالة الى الغرب، ام ان الامر سينكشف عن معطيات مختلفة في الواقع الحكومي وتالياً في مسار انعكاسات الازمة السورية على لبنان بدءا بالعلاقات بين حلفائها أنفسهم.

والواقع ان الدورالتسهيلي السوري اذا كان سيحصل فيمكن ان يتظهّر من خلال تأمين تصويت اربعة او خمسة وزراء ممن «تمون» عليهم الى جانب وزراء الرئيسين ميشال سليمان وميقاتي والنائب وليد جنبلاط (عددهم 12) بما يضمن حصول بند التمويل على موافقة نصف اعضاء الحكومة زائد واحد فيمرّ من دون ان يكون «حزب الله» شارك في التصويت لمصلحته. اما الوزراء الذين يشكلون «بيضة القبان» في هذا المجال فهم وزيرا الأرمن «الطاشناق» فريج جالونجيان وبانوس مانجيان، ووزير «تيار المردة» سليم كرم، ووزير الحزب الديموقراطي اللبناني مروان خير الدين، والوزير فيصل كرامي.
وكان رئيس الحكومة لمح الى هذا المخرج خلال اطلالته التلفزيونية اذ اعلن «حزب الله لن يتغير موقفه، ونحن اليوم 12 وزيراً، ويمكن التكلم مع 3 أو 4 وزراء آخرين، المهم لبنان ليس الشخص»، مضيفاً: «لا أنتظر أن يقول «حزب الله» إنه مع التمويل، ولكن أنتظر أن يكون لدى الوزراء حس وطني لحماية البلد، وإذا لم يسيروا معي لا يكونون كذلك»، ومتوجهاً الى معارضي التمويل «وَلَوْ، اعتبروه (تمويل المحكمة الدولية) بوليصة تأمين لنحمي البلد، (…) فلتكن اشارة بأنّ لبنان ملتزم بالقرارات الدولية وهذا رجائي».

واوضح ان استقالته «ستحمي لبنان إذا قرر مجلس الوزراء عدم تمويل المحكمة»، معلناً «تحملت كثيراً خلال الأشهر الـ 8 الماضية وأحاول أن أحافظ على لبنان قدر المستطاع، ورغم أنني مصر على أنه إذا لم يحصل تمويل فسيكون لي موقف، لكنني أعتقد أنه سيكون هناك وعي لدى القوى السياسية».
وأضاف: «لا أريد أن أعرّض المقاومة ولبنان لمخاطر، والمهم أن نؤكد أن لبنان ملتزم بالقرارات الدوليّة. اهتمامي هو لبنان، ولا يمكن أن أكون رئيس وزراء وأعرّض لبنان لأي مخاطر، ونصيحتي لكل الوزراء والكتل أخذ هذا الأمر في الاعتبار حول التمويل بشكل جدي». وتابع: «لا أتخيّل نفسي رئيس حكومة يخلّ لبنان في عهدها بالتزاماته الدولية أو يخرج من المجتمع الدولي، ببساطة، بالاستقالة أحمي لبنان في حال عدم التمويل». واذ سأل «هل أنا موظف عند هذا أو ذاك؟»، تساءل «هل يعقل أن يتغاضى رئيس حكومة عن أي عملية لإظهار العدالة والحقيقة باغتيال رئيس وزراء سابق؟».

في هذه الأثناء، وفيما وصل الى بيروت امس نائب رئيس وزراء تركيا علي باباكان في زيارة اكتسبت دلالة مهمة في غمرة التطورات المتسارعة على خط الازمة السورية، اكد السفير البريطاني في لبنان توم فليتشر بعد لقائه ميقاتي «الحاجة الى قيادة حكيمة وهادئة من مختلف الأطراف لتأمين الوصول الى نتيجة تصب في مصلحة لبنان في موضوع المحكمة الدولية وتجنب الانتقال الى المواجهة».
وقال: «انا معتاد على مقاربة المسائل بتفاؤل «وكوبي نصفه ملآن»، مشيراً الى «أن موقف المجتمع الدولي تجاه موضوع المحكمة واضح».  

السابق
البناء: هل أصبحت الجامعة العربية منصة للعدوان على سورية ؟
التالي
الانباء: تلويح ميقاتي بالاستقالة أربك حلفاء دمشق وعون يهدد بسحب وزرائه