من فصول الوطن العربي···

فيما لا يزال الربيع العربي يتخبّط في العديد من بقاع العالم العربي، منذراً تارة بانتصارات شعبية، وطوراً بحروب أهلية مجهولة النهايات، خطّت الثورة اليمنية في الثالث والعشرين من الجاري صفحتها الأخيرة، مثمرة اتفاقاً بين المعارضة والنظام يقضي بانتقال السلطة تدريجياً وتوافقياً وصولاً إلى انتخابات نزيهة تؤمّن الشراكة الحقيقية في الحكم بشكل سلمي وفاعل، بعيداً عن الاقتتال والتعطيل الذي دفع الشعب ثمنه غالياً في الأشهر الماضية·
يمكن ألا يكون الاتفاق الذي تمّ توقيعه يُحاكي آمال المعارضة وتطلعاتها التي ذهب ضحيتها آلاف الشهداء، أو يكون قد جاء دون توقعات الحزب الحاكم، إلا أنه بالتأكيد قد حقن الكثير الكثير من دماء الشهداء اليمنيين من الجانبين، وأمّن عودة الزمن والاستقرار إلى الشوارع التي تحوّلت منذ مطلع العام الجاري إلى ساحات مواجهات دامية، حصدت الأرواح، وعطّلت الحياة الاقتصادية، ونسفت الأمن في البلاد·

ولكن المشهد يعود متلبداً على الساحة المصرية، ضبابياً على الساحة السورية، فيما تجمع السماء اللبنانية الحالتين السالف ذكرهما·

لقد دفعت ثورة الميدان في مصر ثمن عفويتها، وغياب التنسيق والتخطيط المُسبق لها، فأسقطت النظام من دون وضع آلية واضحة تضمن انتقال السلطة بشكل فعلي وسلمي يؤمّن استقرار وأمن البلاد والعباد، خاصة في بيئة غابت مفاهيم الديمقراطية عنها لعقود خلت، فإذا بالخلافات الطائفية تطفو حيناً، والغضب الشعبي حول التقاعس الرسمي يُسيطر أحياناً، فيعود ويُشعل الشارع دافعاً به إلى مواجهات مع الجيش، الذي كان داعم الثورة الأوّل، وضامن وحدة البلاد في المرحلة السابقة·

أما الساحة السورية، فتدفع ثمن غياب التواصل والحوار بين السلطة والمعارضة لتحقيق الإصلاحات والمطالب من دون إراقة المزيد من الدماء وتعميق الخلافات بين أبناء الوطن الواحد··· فإذا بخطوط التواصل مشرّعة للتشويش الخارجي والتدخّل المخرّب، بعدما كانت العلاقات السورية – العربية تمر بفترة من التوتر وغياب التنسيق، مما يبعد احتمالات الوساطات العربية الشبيهة بالتي تدخلت في الأزمة اليمنية وأفضت إلى الاتفاق والحد من الاقتتال العبثي، وإذا بالنهايات مفتوحة على أكثر من احتمال·

 
أما الساحة اللبنانية، فهي بالرغم من صغرها، تجمع التوتر والضبابية في غياب شمس الربيع المشرقة··· فاقتراب استحقاق تمويل المحكمة في ظل ثبات الأطراف المعنية على مواقفها، والتي تترجم فعلياً انقساماً حاداً في صف الحكومة بين رئيسها ووزراء النائب جنبلاط المصرّين على التمويل وإلا··· وتحالف <حزب الله>، <أمل> والتيار العوني المصرّين على الامتناع عن التمويل مهما كان الثمن·

أجواء المحكمة الملبدة تنذر بفصل ضبابي في حال فشل الرئيس ميقاتي في إيجاد المخرج وقرّر الاستقالة، حيث يعود وينتقل الكباش بين 14 و8 آذار، طبعاً إذا ما عاد النائب جنبلاط إلى موقعه وكُلفت الأكثرية النيابية، القديمة الجديدة، رئيساً للحكومة من صفوفها مشكلاً حكومة لون واحد، كما سارعت 8 آذار عندما حصلت على الأغلبية النيابية··· عندها تبقى سبل وسقف مواجهة قرارات هذه الحكومة مفتوحة، خاصة أنها تُصنّف دائماً كمصدر تهديد لأمن المقاومة وخططها في مواجهة العدو··!·

فهل تبقى خواتيم التجاذب الداخلي رهن التطورات الإقليمية، في جهوزية دائمة لسداد فواتير الغير على أرضنا، أم يعود التواصل والحوار، حقناً للدماء وحفاظاً على الاستقرار، مستخلصين العبر مما يجري حولنا، في محاولة لتوحيد التصور حول المخارج الأقل كلفة على الوطن والمواطن؟·

ترى هل ينقلب طقسُنا في الأيام المقبلة من غائم وضبابي إلى عاصف، أم تجد خيوط الشمس طريقها بين الغيوم لتنير سهول لبنان الخضراء، وتُعيد الدفء والطمأنينة إلى شوارع الوطن الحالم بغد أفضل؟· 

السابق
اللواء: ميقاتي لحزب الله: حماية المقاومة بتمويل المحكمة
التالي
الحياة: ميقاتي يدعو لمشاركة عربية في التنقيب: أنجزنا المراسيم وهيئة النفط قبل آخر السنة