منطق الضمانات

لو بحثتم في كل إشكاليات بقاء أو خروج بعض الحكام العرب من سلطة الحكم في بلادهم ستجدون أننا نلف وندور حول فكرة ضمانات ما بعد الخروج.
ويقول أهل القانون: إن أي عقد جيد هو الذي يجب أن يُنص فيه على أسلوب التخارج بين بعض أو كل أطرافه حينما تستدعي الضرورة!!
وكان الحاكم، في عالمنا العربي، يحكم بصفة الأبدية، لا يعوقه في ذلك إلا المرض أو الموت أو الاغتيال، أما فكرة تداول السلطة أو التخلي الطوعي عن السلطة فإن ذلك لم يكن واردا في القاموس السياسي العربي المعاصر.
من هنا، علينا أن ننتبه، وبشدة، إلى أن الوسيلة الوحيدة التي تقوم على الحل السلمي للتخارج من السلطة هي المفاوضات.

حينما فشلت أي لغة حوار، ترك الرئيس التونسي، وتنحى الرئيس المصري، واغتيل الرئيس الليبي، وتعيش الآن كل من سوريا واليمن حربا شبه أهلية. والتفاوض يقوم على فكرة أو مبدأ المقايضة بين ما يمنحه طرف مقابل شيء يعطيه الآخر.
في حالة بعض الحكام تكون سلامته مقابل مقعده الرئاسي، وفي حالة أخرى تكون سلامة أسرته، وفي حالة ثالثة ترتيبات انتقال السلطة بشكل يحفظ له كرامته أو شرفه العسكري.
المهم في مسألة التفاوض هو «بند الضمانات»، وفي اعتقادي أن معظم المفاوضات مع هؤلاء الحكام تتكسر على صخرة «ضمانة الضمانات»!

بمعنى: عندما تقول لأحد الحكام: حينما توقع وثيقة التنازل عن السلطة نحن نضمن لك سلامتك وسلامة أسرتك وعدم محاكمتك… إلى نهاية قائمة الطلبات المتوقعة، هنا يرد عليك قائلا: «ومن الذي يضمن لي تنفيذ هذه الضمانات؟».
والمسألة التي تحدث أن عمليات شراء الوقت والمماطلة في وضع كل الأوراق على المائدة بصراحة وشفافية تؤدي إلى تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية المصاحبة للمفاوضات وما يمكن أن يكون مقبولا شعبيا وسياسيا اليوم يصبح غير قابل للتنفيذ غدا.
وتدهور الأوضاع الأمنية أثناء التلكؤ في عملية التفاوض من الممكن أن يكون رصاصة الرحمة الأخيرة التي تقتل أي أمل في نجاح المفاوضات.
إن دخول عنصر الضحايا والشهداء والدماء في أي ملف تفاوض مع أي حاكم يجعل المهمة شبه مستحيلة.

لذلك ننصح هؤلاء الذين يتفاوضون: «إذا أردت استخدام طلقات الرصاص فلا داعي لاستخدام أقلام الكتابة في المفاوضات»!
وقد يسألني سائل: ولماذا يا أخي تريد التفاوض مع الحكام؟

أقول على الفور: التفاوض المبكر للانتقال السلمي للسلطة عند حدوث اضطرابات أقل تكلفة مادية وبشرية لأرواح وعقول وثروات تلك الدول التي دمرها حكامها قبيل الرحيل منها.
تفاوضوا مبكرا، بدلا من الرحيل الدامي!

  

السابق
روس خاصة
التالي
واالغرب لا يمانع في الحرب الأهلية؟