ما بعد بقاء النظام السوري

قرار إسقاط النظام السوري من قبل خصومه بات نهائياً ومبرماً. فشل الجبهة المعادية لدمشق في تحويل هذا القرار إلى أمر واقع ومنجز، سيضع مكونات هذه الجبهة وأطرافها في وضع مأزوم. الذهاب حتى النهاية في المعركة ضد سوريا، ينبئ بارتدادات عكسية على أميركا وحلفائها في المنطقة. الأزمة السورية هي المدخل الأقرب لإعادة رسم خارطة سياسية جديدة في الإقليم. الخارطة هذه لن تكون على قاعدة التفاهم واقتسام النفوذ، بل على قاعدة المنتصر والمهزوم.
استعار الحملة على دمشق، لم يفلح في دفعها إلى فك ارتباطها بإيران والتخلي عن المقاومة. ثبات النظام السوري وضعه في مواجهة مفاعيل انتقال الخصوم من معركة إضعافه إلى معركة إسقاطه. هذا التصعيد ربط معيار نجاح هؤلاء حصراً بإطاحة النظام وتغييره. إذ أن كل ما هو دون إسقاط النظام، يعادل استراتيجياً انكسار المخطط، الذي لا يقتصر على الملف السوري فحسب، بل على كل الملفات المتلازمة معه. هذا الأمر يضع أميركا وحلفاءها أمام معادلة مربكة: مع بقاء النظام سيخسر هؤلاء، من حيث الأهمية الاستراتيجية، ما يوازي ما كانوا سيربحونه في حال سقوطه.

رفع سقف المعركة، من حيث أهدافها المعلنة، إلى هذا المستوى من التصعيد، يستدعي كذلك من أصحابها تصعيداً ملائماً في مستوى آلياتها وأدواتها، ما داموا هم مصرين على إسقاط النظام، وطالما لن تفلح خيارات ما قبل الحرب في إيصالهم إلى ما يريدون، بما فيها خيار العمل على الحرب الأهلية. وعلى الأرجح أن الحرب العسكرية من الخارج، مع غض النظر عن أشكالها وسيناريوهاتها، ستكون الأداة الأخيرة التي سيعمد إليها خصوم سوريا.

المعركة هذه ستسفر عن عواقب مصيرية. ترابط كل الملفات الإقليمية بالأزمة السورية يزيد الأمور تعقيداً، ويدفع إلى الحسم بالجملة وليس إلى الحل بالمفرق. زوال النظام السوري بات الورقة الأخيرة أمام الأميركيين لضمان الحفاظ على ما تبقى من نفوذهم الإقليمي. إسرائيل تراهن بالدرجة الأولى على هذا الزوال لشل فاعلية المقاومة في لبنان. تركيا التي دخلت بدورها على خط هذه الأزمة من أجل الإمساك بناصية الإقليم، بات كل همها إسقاط نظام بشار الأسد، لأن بقاءه بعد كل هذا العداء الأردوغاني لسوريا، سيعني مجاورة أنقرة لخصم جديد، اصطنعت عداوته وفشلت في القضاء عليه. أما عرب الاعتدال فهم منساقون خلف الموقف الأميركي.. هم على الأرجح لا يفقهون مقدار ما سيربحون ويخسرون في كل ما يفعلون.

مقابل تصعيد معسكر الخصوم، فإن سوريا وحلفاءها يتبعون سياسة الترابط المرصوص. وبالنسبة لهم، كل ما دون الحرب لن يغير من الواقع في شيء. أما الحرب، حسبما يرون، فستغير كل شيء لمصلحتهم في حال أراد الخصوم افتعالها. وإذا كانت سيناريوهات الحرب على سوريا محددة، فلكل سيناريو طريقة خاصة للتعامل معه..حزب الله إلى جانب سوريا مقابل إسرائيل، إيران ومعها العراق إلى جانبها مقابل تركيا، وحلفاؤها جميعهم، ومن ورائهم موسكو وربما بكين، إلى جانبها مقابل أميركا والأطلسي.
لقد أدخلت الأزمة السورية محوري الصراع في الإقليم في مواجهة محتدمة ومفتوحة، عنوانها سوريا فيما مضمونها يشتمل على المنطقة برمتها.. هي مواجهة يخوضها الأميركي – ومن معه – بكونها الخطوة الأخيرة التي تحول دون انكشافه على هزيمة شاملة، فيما يخوضها المحور المضاد بكونها الخطوة الأخيرة ما قبل بلورة انتصاره.
وإذا كانت المعطيات المنظورة لا تفضي إلى فرضية هزيمة سوريا، فإن منطق التحليل، يستدعي أولوية السؤال عن مستقبل سوريا والمنطقة، في مرحلة ما بعد بقاء النظام السوري بدلاً من السؤال عن مستقبلهما في حال زواله؟  

السابق
اليوم.. المهلة الاخيرة لنظام الاسد قبل لجوء العرب الى الامم المتحدة
التالي
علامَ يبني المهوّلون بسقوط الحكومة؟