علامَ يبني المهوّلون بسقوط الحكومة؟

خلال الساعات الأخيرة، جرت تحت الجسور مياه تطورات ومستجدات لبنانية عدة، اوحت لبعض المراقبين السياسيين ان ثمة معادلة سياسية جديدة ترسم في الافق قسرا، عنوانها العريض ممارسة مزيد من الضغوط الشديدة الوطأة، بغية "كسر" الحد الادنى من معادلة الاستقرار النسبي القائمة منذ فترة والتي ميزت الوضع الداخلي اللبناني قياسا بساحات الدول المجاورة، والتي من ابرز مظاهرها بقاء حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مستمرة تؤدي عملها، بل وتحرز في بعض الملفات فتحا وتقدما.
وذهب هؤلاء الى حد الاستنتاج وهم يرون الضوضاء والضجيج والتضخيم في الساحة، وخصوصا من جانب قوى 14 آذار، التي ذهب بعض رموزها الى تحديد موعد نسبي لسقوط الحكومة لا يتعدى نهاية الشهر الجاري.
وبالطبع اخذ المراقبون المتهيبون اياهم في الاعتبار، حزمة تطورات برزت اخيرا، واعتبروها احد مرتكزاته للمضي قدما في رؤيتهم، وابرزها:

– التصعيد السياسي الذي لجأ اليه رموز "تيار المستقبل" في اطار حملتهم على الحكومة، واستعدادهم للمهرجان الذي يعتزمون تنظيمه في طرابلس الاحد المقبل، والذي يحشدون له معتبرين ان ما بعده من وضع غير ما قبله، وذهبوا في اطار الحشد له الى حد اشاعة ان الرئيس سعد الحريري سيظهر في هذا المهرجان ليلقي كلمة وليبدأ مرحلة جديدة من "المواجهات السياسية" ضد الحكومة ورئيسها وحاضنيها.
– تصعيد سياسي يكاد يكون غير مسبوق ضد الرئيس ميقاتي، توّج بإحراق صوره خلال الاسبوع الماضي باستخدام خطاب قاس، يكاد يكون خارجا عن مألوف التخاطب السياسي، مقرونا بنشر معلومات واجواء، فحواها ان الرجل على وشك ان يخرج من الحكم، مستقيلا او معتكفا، ما لم ينجح في الوفاء بتعهداته في شأن تمويل المحكمة الدولية.

 – اعادة قضية تحويل المحكمة الى الواجهة، وبشكل ضاغط بعدما بدا لبعض الوقت انها سحبت من التداول، مع امرين مفاجئين، الاول مبادرة وزير المال محمد الصفدي الى طلب سلفة تمويل المحكمة، وهو ما اعتبره البعض نوعا من الاجتهاد الشخصي، وادرجه البعض الآخر في خانة التفاهم الضمني مع ميقاتي لكي يتحلل من مسألة ان يكون وحده في واجهة القضية وان يتحمل الجميع مسؤولياتهم.
ويضاف الى عناصر الضغط هذه عنصر آخر مستجد ايضا، هو مجيء رئيس المحكمة الدولية الى لبنان، وقيامه بجولة على المسؤولين عنوانها الجوهري ضرورة الاسراع في تمويل المحكمة، مشفوعا بكلام صدر من داخل المحكمة اياها، قوامه ان عدم التمويل معادل لعقوبات واجراءات زجرية، ستفرض على لبنان، وهذا بدد انطباعا سرى منذ وقت مؤداه ان اخفاق الحكومة في تمويل المحكمة لا يرتب على لبنان عقوبات، بل يجبر المحكمة على البحث عن مصادر تمويل اخرى.
– ارتفاع وتيرة "التوتر" الامني في بعض المناطق على خلفية الحدث السوري، او بناء على تداعيات هذا الحدث الذي ما زال ساخنا، وخصوصا في مناطق سورية متاخمة للبنان.

– بروز معطيات تتحدث عن امكان تحضير الوزراء الثلاثة المحسوبين على النائب وليد جنبلاط، انفسهم لمغادرة الحكومة مستقيلين، اذا اخفقت عملية تمويل المحكمة توطئة لاسقاط الحكومة او على الاقل لوضع مصيرها في مهب الرياح.
وعموما، بدا من خلال كل هذه التطورات الدراماتيكية المتصارعة، ان ثمة "امر عمليات" عنوانه العريض تكثيف الضغوط لكسر الحالة المستقرة نسبيا القائمة منذ فترة، والتي تعززت في الآونة الاخيرة بعد ورود معلومات تفيد ان ثمة عواصم وجهات غربية وعربية قد ابدت ارتياحا الى وجود ميقاتي في سدة الحكم، انها ليست في وارد الدفع في الوضع اللبناني في اتجاه تفجير التناقضات الكامنة اصلا، توطئة لدفع هذه الساحة الى فوق صفيح ساخن، بل ان ثمة من ذهب الى حد البحث عن اوجه مقارنة بين الحدث المصري الاخير، وقابلية الوضع اللبناني للتحول الى وضع متوتر، معتبرا ان حكومة عصام شرف سقطت في القاهرة وانهار التفاهم الضمني الذي رعته واشنطن بين "العسكر" المصري وجماعة "الاخوان المسلمين" ومن يسير في ركابهم، نتيجة خوف المؤسسة العسكرية من انفلات دست الحكم من يدها فتحت ابواب المسرح المصري على الاحداث المتفجرة منذ نحو اربعة ايام وبين امكان ان يتم اسقاط حكومة الرئيس ميقاتي بما تعنيه وتمثله من ضمانة للاستقرار النسبي في الساحة اللبنانية.

ولا شك ان المراقبين الذين يحملون هذه الرؤية في عقولهم ويتخوفون منها يتكئون على اعتقاد فحواه ان ثمة توجها لدى خصوم النظام في سوريا، لاكمال حلقات الحصار حوله، واكمال حلقات الضغط عليه من خلال الساحة اللبنانية التي شكلت ولا ريب، على رغم وجود شريحة واسعة معادية لهذا النظام، وتتبنى عملية اسقاطه، رئة اساسية يتنفس منها هذا النظام على اكثر من صعيد، وخصوصا بعد موقف لبنان الرسمي مع سوريا، وثاني اثنين في الجامعة العربية، اضافة الى موقفه في الامم المتحدة الى اجراءات اخرى تكاد لا تحصى كلها تصب في خانة اسناد هذا النظام ورفده بعوامل القوة.

وبناء عليه، ولان الساحة اللبنانية تستبطن ايضا عوامل اضعاف لسوريا، فإن ثمة من يتخوف ان تكون الخطوة التالية هي اسقاط حكومة ميقاتي لحرمان سوريا من حبل سرة تتغذى منه على اكثر من صعيد، وخصوصا ان المرحلة المقبلة ستكون مرحلة مضاعفة الحصار الاقتصادي والامني على نظام الرئيس بشار الاسد، بعدما اخفقت الكثير من المحاولات العسكرية وغير العسكرية لجعل هذا النظام يتهافت ويتداعى.

تلك ولا ريب رؤية منتصبة في الواقع وفي اذهان حلفاء سوريا وخصومها على حد سواء، ولكن السؤال المطروح هل عملية اسقاط حكومة ميقاتي واردة، وهل رئيسها في هذا الوارد؟
حاضرون في اوساط رئيس مجلس النواب، يعتبرون ان في الامر مبالغة وتهويلاً، فالرئيس ميقاتي يعرف سلفا لماذا سقطت حكومة سلفه، ولماذا اندفع هو الى التصدي لهذه المهمة الصعبة، ويعرف ايضا كل الابعاد والاثمان، فيما الفريق الذي ساهم في اسقاط حكومة سعد الحريري وتعاون مع الرئيس ميقاتي لاستيلاد الحكومة الحالية، يعرف ايضا ان لحظة استحقاق تمويل المحكمة ستحين.

وفي كل الاحوال، في اوساط فريق الاكثرية من لا يزال ثابتا على معادلة مؤداها ان اسقاط حكومة ميقاتي او سقوطها معناه بروز احتمالين سلبيين:
الاول: دخول البلاد في فوضى سياسية لأن عملية تأليف حكومة جديدة تكاد تكون مستحيلة في ظل الاوضاع والمعادلات الراهنة.
الثاني: ان سقوط حكومة ميقاتي معناه انزلاق لبنان اكثر فأكثر في عملية "التماهي" بالحدث السوري من منطلق معارضة النظام او من منطلق نصرته ورفده بعناصر الدعم. 

السابق
ما بعد بقاء النظام السوري
التالي
تغييب العقل