ذكرى استقلال مغيب أمسى مجرد ذكرى

إنه من المحزن والمؤسف والمعيب والمهين لذكاء وكرامة اللبنانيين ومصداقيتهم وتاريخهم المتجذر في تربة وطنهم المقدس أن الاحتفال "الكرنفالي" الذي أقيم قبل ايام في وطننا الأم الحبيب, لبنان, بذكرى الاستقلال ال¯ 68 منطقياً هو احتفال بذكرى, مجرد ذكرى, من دون محتوى أو وجود ملموس ومعاش على أرض الواقع في أي شكل من الأشكال.

فالاستقلال الحقيقي غائب ومغيب, ولا وجود له, لا من قريب ولا من بعيد, فيما الدولة اللبنانية وجميع مؤسساتها والمسؤولين فيها جميعاً بدءاً من رئاسة الجمهورية ومروراً برئاستي مجلسي الوزراء والنواب, وانتهاءً بقيادة الجيش وباقي القوى الأمنية والسواد الأعظم من أهل السياسة هم من "أكلة الجبنة" وقد قبلوا أن يتحولوا ابواقاً وضوجاً وأدوات طيعة تستعملها قوى محور الشر السورية والإيرانية وملحقاتها اللبنانية المعسكرة والأصولية. لا يُعقل أن يكون هناك أي استقلال في ظل هؤلاء.

إن الإنسان المستقل هو الإنسان الحر المحرر من العبودية, عبودية الخطيئة والذل, وغير الخانع والراكع والمستسلم لنزوات الغرائز , والمترفع بكبرياء وإيمان راسخين عن عبادة مقتنيات الأرض الفانية من مال وسلطة ونفوذ وعزوة وعقارات وغيرها.
في الواقع المعاش والملموس إن بين لبنان والاستقلال الحقيقي مسافات شاسعة جداً لا يمكن قطعها ما دام القرار الوطني الحر والمستقل مُختطف ورهينة وأسير بلطجة وإرهاب عشرات الدويلات الغريبة المنتشرة على كل الأراضي اللبنانية والخارجة كلياً عن سلطة دولة لبنان التي هي حالياً صورة وأداة لا أكثر ولا أقل. الدويلات هذه اللبنانية والفلسطينية تابعة مباشرة لحكام إيران وسورية الذين يحتلون لبنان ويتحكمون بقراره وبحكمه وناسة. 
كيف نحتفل باستقلال مصادر ولا وجود له فيما حدود الوطن مشرعة لشذاذ الافاق من دون حسيب أو رقيب لدخول السلاح والمسلحين والأغراب من كل جنب وصوب من الإرهابيين والمارقين والمجرمين والمرتزقة, إضافة الى كل أنواع الممنوعات والمحرمات من مخدرات وأدوية وبضائع وغيرها?
كيف نسمح لأنفسنا أن نحتفل بالاستقلال ونتقبل التهاني في حين أن القرار الوطني وعلى كل المستويات والصُعد مصادر, والقضاء معطل ومسيس ومرتهن وتابع لسلطة قوى الأمر الواقع الإرهابية والبلطجية, في حين أن الحكم بكل أفراد طاقمه العفن والذليل ارتضى وضعية العبيد للنظامين الإرهابيين السوري والإيراني.

بالله عليكم أي منطق هذا الذي يجيز وتحديداً للرؤساء الثلاثة أن يتقبلوا التهاني بالعيد ويترأسون الاحتفالات والعروض العسكرية, وهم تنكروا لدستور, الوطن وتخلوا عن كل مسؤولياتهم وواجباتهم, وتاجروا بدم ولقمة عيش وأمن وسلامة المواطن اللبناني, ونقضوا عهودهم ووعودهم, وخانوا كل ما أقسموا عليه, وأنكروا بجحود أهلنا الأشراف والأتقياء المبعدين قسراً إلى إسرائيل, والمغيبين اعتباطاُ وظلماً وعدواناً في معتقلات نظام القتل والإجرام السوري, وتنكروا لالتزامات لبنان الإقليمية والدولية والديبلوماسية, وعطلوا الممارسات الدستورية في مجلسي الوزراء والنواب, وعهروا كل ما هو قيم وقوانين ومبادئ? لا, لا, يحق لهم أن يترأسوا أي احتفال.
لمن نقدم التهاني بعيد الاستقلال? أولا, ليس لرؤساء ومسؤولين باعوا الاستقلال ورهنوا قميص الوطن, بل للذين ضحوا بأنفسهم وبكل ما يملكون للدفاع عن الاستقلال والوطن والمواطنين وهم كوكبة شهداء لبنان الأحياء والأموات والمعاقين منهم وما أكثرهم حيث لا يخلو بيت من بيوتنا من عشرات الصور لهؤلاء الأبطال معلقة على الجدران.

إن العرفان بالجميل واحترام الذات والكرامة والعزة والإيمان يقضون أن تقديم التهاني للشهداء والمعاقين ولذويهم فقط, وفقط, ونقطة على السطر. أما الاستعراضات العسكرية المسرحية وكل حفلات الكذب والنفاق بتقبل التهاني التي شهدها قصر بعبدا فهي بالواقع إهانة كبيرة لكل لبناني يحترم نفسه وعنده كرامة وعزة نفس ويرفض وضعية الغنم والمسالخ.
نعم, الاحتفال بعيد الاستقلال واجب وطني وملزم أيضاً, ولكن فقط, وفقط عندما يُسترد هذا الاستقلال من مغتصبيه ومن المتاجرين به. وإلى أن يأتي ذلك اليوم الكبير فإن لا معنى ولا قيمة ولا مصداقية لكل الاحتفالات والعروض العسكرية, كما أن تهنئة من باعوا الاستقلال في هذا اليوم أمر مهين للحق والحقيقة ولكل تضحيات وعطاءات الشهداء والأبطال والشرفاء.
ونختم مع اي تمام قائلين لمن يعنيهم الأمر: "فإن لم تخش عاقبة الليالي ولم تستح فاصنع ما تشاء", ومن له أذنان سامعتان فليسمع. 

السابق
الملف السوري إلى مجلس الأمن.. متى؟
التالي
الوفاق المبتغى