الحريري يخرج من عزلته الإلكترونيّة

يستعيد الرئيس سعد الحريري نشاطه السياسي الجدي. الخطوة الأولى كانت لقاء الرئيس الفرنسي، ثم لقاء وفد مصغر من الأمانة العامة لقوى 14 آذار. اللقاء الأول حمل الكثير من الأجواء الإيجابية لفريق الحريري، واللقاء الثاني ساهم في تلميع العلاقة بين الطرفين

عاد الرئيس سعد الحريري إلى الحياة السياسية الواقعية وغير الإلكترونية. تخلّى عن حاسوبه، وترك مقرّ إقامته في باريس وقصد قصر الإليزيه للقاء الرئيس الفرنسي. هذا اللقاء، بحسب مطلعين على أجواء تيار المستقبل، ليس سوى نتيجة طبيعية لحركة الحريري في السعودية، التي التقى فيها قبل أيام ولي العهد نايف بن عبد العزيز. وبحسب المطلعين، تلقى الحريري إشارات سعودية واضحة بأنّ الوقت حان لاستعادة النشاط، مضيفين إنّ هذا الأمر لا بد أن يأتي من الباب السعودي ـــــ الفرنسي. فليس مستغرباً أن تكون نقطة الانطلاق باريس «التي تدير الملف السوري، وهي معنية مباشرةً بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان».

هذا اللقاء السياسي هو الجدي الأول للحريري منذ مغادرته لبنان قبل ستة أشهر. ونشر الرئيس السابق للحكومة على حسابه الخاص على تويتر أنّ لقاءه بالرئيس الفرنسي تناول «آخر المستجدات وملف تمويل المحكمة الدولية». يضيف مقرّبون منه إنّ «النقاش استفاض حول المحكمة، إذ جرى تناول الموقف الغربي وحركته في حال عدم موافقة الحكومة على التمويل». وكانت النتيجة أن حظي الحريري بالتطمينات اللازمة حيال هذا الملف، فانطلق للسؤال عن الأوضاع في سوريا وما ستؤول إليه الأمور. سأل بالتفاصيل عن الاقتراحات التي تناقش في عواصم الغرب للضغط على نظام حزب البعث، من منطقة جوية عازلة وإقامة «ممر إنساني» على الأراضي السورية، وصولاً إلى السؤال عن موعد تحرك الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. هذه الأسئلة كانت مدوّنة على أجندة مستشاري الحريري، وقد زوّدوه بها في الأيام الماضية بعد مناقشتها، وأضيفت إليها أسئلة حول قراءة الرئاسة الفرنسية للدور العربي وأسلوب معالجته للأزمة السورية. خرج الحريري من الإليزيه حاملاً أجوبة زادته تفاؤلاً. ترك مقرّ الرئاسة وعاد إلى منزله، حيث أعدّ له مستشاروه جدول أعمال «مصغّراً» للقاء بعض شخصيات 14 آذار التي توجّهت أمس إلى باريس للقائه. ضمّ وفد المعارضة كلاً من نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري وعضوي الأمانة العامة لقوى 14 آذار، النائبين السابقين فارس سعيد وسمير فرنجية. حتى الساعة الثامنة من مساء أمس، لم يكن اللقاء قد عقد بعد، إلا أنّ ساعات الليل حملت معها الموعد المقرّر قبل ساعات من انعقاده، فحصل الاجتماع الذي علّق عليه أحد نواب المستقبل بأنه «بوليش، يهدف إلى تلميع العلاقة بين الطرفين، وهو أمر يحبّه فريق الأمانة العامة». وتجدر الإشارة إلى أنّ مصادر تيار المستقبل نفت المعلومات التي جرى تداولها عن إمكان انضمام رئيس جبهة النضال الوطني، النائب وليد جنبلاط، إلى هذا الاجتماع أو إمكان لقائه الرئيس الحريري على انفراد. فأكد المستقبليون أنّ جنبلاط ليس موجوداً في باريس، بل في بلجيكا، وأنّ الاتصال لم يتمّ بين الرجلين حول موضوع لقائهما.

حمل سعيد وفرنجية ورقة سياسية عملا على إعدادها طوال الأسبوعين الماضيين، وتتمحور حول مرحلة ما بعد سقوط النظام السوري والحكومة اللبنانية. وكالعادة، استعان سعيد ببعض العبارات التي اعتاد على استخدامها منذ أيام البريستول عام 2004، وأولاها «خشبة الخلاص».

وتتضمن هذه الوثيقة أسئلة عن الأوضاع في لبنان والمنطقة والربيع العربي، فيسأل كتابها عن ضرورة تحويل اتفاق الطائف من «اتفاق ضرورة إلى خشبة خلاص للبنان». كما تعدّد الوثيقة الخروقات التي حصلت للطائف منذ 2004 إلى اليوم، أولاً في وجود الجيش السوري، ثم التمديد لرئيس الجمهورية، فحرب 2006 ومن بعدها في 7 أيار، وصولاً إلى اتفاق الدوحة الذي يحاول البعض تكريسه بديلاً من الطائف. وفي السياق نفسه، تطرح الوثيقة إقامة مؤتمر وطني يضع الجميع أمام مسؤولياته الوطنية والسياسية، وبهدف تأكيد كل القوى على الطائف وتطبيقه. يمكن اختصار الوثيقة بأنها «أسئلة كثيرة تنتظر أن تجيب عنها قوى 14 آذار تمهيداً للمرحلة المقبلة»، بعد أن تحسم الورقة على نحو قاطع ما معناه «سقوط الديكتاتوريات يشكل أرضية تطوير وليس موقع تدمير، وعودة إلى الوراء وإلى حروب أهلية».

المعارضون يبدون كمن يستعد لتلقي التهنئة بوثيقتهم الجديدة، فهم اعتادوا على صياغة الوثائق منذ البريستول، فيبقى رهان 14 آذار على النجاح في تطبيق وثائقهم، الأمر الذي لم يتم حتى اليوم، وخير دليل على ذلك الوثيقة التي أطلقت من الفندق نفسه قبل الذكرى الأخيرة لـ 14 آذار، وكانت بعنوان «لأ للسلاح».
أما النائب فريد مكاري، فيلتقي الحريري قبل أيام على مشاركته في مهرجان الاستقلال في طرابلس، حيث سيكون مكاري خطيباً رئيسياً. فبحسب أحد مسؤولي تيار المستقبل، ستكون كلمة مكاري حاسمة وواضحة في توجّهاتها القاطعة، ما يفسّر أنّ مكاري شارك في هذا اللقاء لمدّ نفسه بتفاصيل أكثر وليجيّش حواسه أكثر.

وفي الحديث عن مهرجان الاستقلال المقرر الأحد في طرابلس، لا يتردّد اثنان في تيار المستقبل في التعجّب من الضجة الإعلامية التي نالها هذا النشاط في هذا الظرف. يدفع هذا الاهتمام مسؤولي المستقبل إلى تكثيف جهودهم حتى لا يفاجأ جمهورهم بتواضع المهرجان، فيتوجّه الأمين العام لتيار المستقبل إلى عاصمة الشمال للقيام ببعض المهمات الاجتماعية واللوجستية التحضيرية والتي تساعد على توسيع الحشد. مشاركة الرئيس الحريري ستنحصر في كلمة سيلقيها باسمه رئيس كتلة المستقبل النائب فؤاد السنيورة. سينقل الأخير تحيات «الشيخ سعد» إلى الجمهور الشمالي، وربما يبدأ كلمته بعبارة «نحنا اليوم» المعتادة في كلام الحريري، إلا أنّ كل ذلك لن يعوّض غياب الرئيس الذي قد يتابع المهرجان ويعلّق عليه عبر تويتر. 

السابق
موفاز: واشنطن زودت السنيورة بمعدات تنصت اخذها حزب الله
التالي
اعادة هيكلة التنظيم