المماطلة في رفع سن الحضانة

تستعدّ شبكة حقوق الأسرة للتحرّك قريباً، إذا لم تنشر دار الإفتاء التعديلات المتعلقة برفع سن الحضانة في الجريدة الرسمية، بعد وعود بلغت شهرها الخامس. فهل تحتاج الأمور الإدارية إلى كل ذلك الوقت، أم الأمر كلّه كان مجرد خدعة أو طعم لتمرير مطالب أخرى؟ الأمهات خائفات خصوصاً أن القضاة لن يوقفوا القضايا وقتاً طويلاً

بدت دار الافتاء في حزيران الماضي، الأكثر انفتاحاً، مقارنة بالطوائف والمذاهب الأخرى. غازلتها وسائل الإعلام لإنصافه المرأة والطفل، وأرخت الأمهات أعصابهن المشدودة دائماً تحسباً للحظة التي يأخذ فيها الأب أطفاله عند بلوغهم السن القانونية. كان ذلك عندما وافق المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى على رفع سن حضانة الأم لأطفالها من 7 أعوام للصبي و9 أعوام للفتاة، إلى 12 عاماً للإثنين. هذا القرار «التقدمي» سقط لصالح « المماطلة والوعود». فهو حتى اللحظة، لم يدخل حيّز التنفيذ، لأن دار الافتاء لم تنشره في الجريدة الرسمية بعد. بداية، صدّقت شبكة حقوق الأسرة، التي قادت حملة تعديل سن الحضانة لدى الطوائف، «وعود» دار الإفتاء بقرب نشر القانون، إلا أن مرور خمسة أشهر جعل أعضاءها يطرحون الأسئلة. اتصلوا مراراً بدار الفتوى محاولين معرفة سبب هذا التأخير، دون جدوى. إنها الوعود مجدداً.
 

السبب الحقيقي وراء هذه « المماطلة»، كما تصفها رئيسة الشبكة إقبال دوغان، لا يزال مبهماً. يكتفي القاضي الشرعي، محمد النقري، بالإشارة إلى تعديلات يبحثها المجلس الشرعي الأعلى بناءً على طلب مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني. لكنه نفى علمه بهذه التعديلات. هل هي سرية إلى هذه الدرجة؟ وما الدافع وراء إجراء تعديلات جديدة، بعد موافقة مجلس النواب ولجنة الادارة والعدل ودار الإفتاء على التعديلات الجديدة؟
يحوّل النقري الدفّة إلى الأمين العام للمجلس الشرعي، خلدون عريمط، الذي يعزو بدوره موضوع تأخير نشر القانون في الجريدة الرسمية إلى أمور «روتينية وإدارية »، واعداً بالنهاية السعيدة في «أقرب فرصة». لكن هل تحتاج الأمور الإدارية إلى كل هذا الوقت؟ لا يجيب العريمط على السؤال، مكتفياً بالقول: «في أقرب فرصة». الاجابة ذاتها تتكرر لدى سؤاله عما إذا كان هناك تعديلات جديدة يجري بحثها، مع ضحكة هذه المرة، قبل أن يضيف «لم يتغير جوهر القانون». ماذا عن النساء اللواتي حكم القاضي بقضاياهنّ لصالح الأب استناداً إلى القانون القديم؟ «الله بعين». يجيب. يعني لا تعويض.

حكاية رفع سن الحضانة، كما تصفها دوغان، أشبه بقصة ابريق الزيت. «لا أفهم لماذا يخشى المسؤولون التغيير إلى هذه الدرجة»، تقول. القصة قديمة. عمرها سنوات. ولا نتائج حتى اليوم باستثناء الوعود.
تعود دوغان إلى العام 2005، حين لاحظت من خلال شكاوى النساء، أن قضية الحضانة تعدّ من القضايا الساخنة والمؤذية للمرأة والطفل على حد سواء. ونظراً لاستحالة تطبيق قانون مدني للأحول الشخصية في لبنان، قررت رابطة المرأة العاملة وعدد من الجمعيات والنساء العمل على استحداث قانون موحد للحضانة لدى جميع الطوائف، خصوصاً أنه لا يوجد نص ديني قرآني أو انجيلي يحدّد سن الحضانة، التي اعتمدت وفقاً للاجتهاد قبل نحو ألف عام. الدليل على ذلك، بحسب دوغان، يتمثل في الاختلاف بين رجال الدين حول تحديد سن موحدة للحضانة. وبدت الدول العربية أكثر تطوراً من لبنان في هذا الموضوع، وقد استندت النساء في حملتهن التي أطلقن عليها اسم 1315 إلى القانون السوري، الذي يبقي الصبي مع والدته حتى سن الـ13 ، والفتاة حتى سن الـ15.

عجزت النساء عن العمل على قانون موحد للطوائف لأن الدستور لا يتيح ذلك، بل يمنح كلّ طائفة حق تنظيم الأحوال الشخصية لرعاياها. هكذا تقرّر العمل مع كل طائفة على حدة.
بعد لقاءات عدة، اقتنع المفتي بمشروع قانون 1315 الذي حمل رقم 1550 عام 2008 ، ليتحوّل إلى مجلس الوزراء الذي وافق عليه بدوره وأحاله إلى مجلس النواب. علق المشروع عند لجنة الادارة والعدل، بسبب اعتراض عدد من النواب السنة، الذين طالبوا بإعادة صياغة مشروع القانون. حينها تم تعديل المادة 242، التي منحت المجلس الشرعي الأعلى حق التعديل بأمور الأحوال الشخصية من دون الرجوع إلى مجلس النواب. لم يعجب التعديل دوغان، إلا أنها قالت « نريد أكل العنب».
بعدها، وافق المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى على القانون الذي أعدّه النائب سمير الجسر، وحدد سن الحضانة بـ13 للصبي والبنت، قبل خفضه إلى 12، إضافة إلى تعديلات أخرى تتعلق بالنفقة والمهر والعدة. وأعلن المفتي هذه التعديلات في مؤتمر صحافي، ونشرت المادة 242 في الجريدة الرسمية . تسأل دوغان: «لماذا المماطلة؟ هل رموا الطعم لتمرير المادة 242 من دون الموافقة على تعديلاتنا».

كثيرات هن النساء الخائفات من عدم دخول القانون الجديد المعدل حيّز التنفيذ. يستعددن لممارسة الضغط عبر الاعتصامات. فالأمهات لسن مستعدات للتخلي عن أطفالهن من دون سبب واضح. حتى اللحظة، تقول دوغان إن معظم القضاة الشرعيين يرجئون بت الحكم بانتظار نشر القانون في الجريدة الرسمية. وتضيف أنها لم تسمع عن أكثر من حالتين منح فيهما القاضي الحضانة لصالح الأب وفقاً للقانون القديم. لكن إلى متى؟ لن يستطيع القضاة التأجيل في البت مدى العمر.
سوزان أم لطفلين. ابنها يبلغ من العمر 6 سنوات ونصف السنة، أي أن والده يستطيع ضمّه إلى حضانته بعد ستة أشهر فقط . تقول: «رغم اتفاقي وطليقي على بقاء الأولاد معي، إلا أنني خائفة جداً. هذا أمر غير مضمون». سوزان جاهزة للمشاركة في الاعتصامات إذا لزم الأمر. حالها حال الكثير من الأمهات اللواتي يعلقن آمالهن على الجريدة الرسمية.
لين أيضاً أم لطفل عمره ست سنوات. فترة السماح المتبقية لديها سنة واحدة فقط. خسرت طفليها في زواج سابق بعدما بلغا السن القانونية، وليست مستعدة لتكرار التجربة.
«الله بعين»، كما يقول العريمط. 

السابق
التحضيرات اكتملت في صور لإحياء عاشوراء
التالي
طهران تحذّر تل أبيب: كل المستوطنات في مرمى كاتيوشا أصدقائنا في حزب الله