إما تمويل المحكمة وإما ترحيل الحكومة!

الحكومة التي جاء بها الخلاف على المحكمة الخاصة بلبنان، هل يذهب بها الخلاف على تمويلها حين تجد نفسها بين خيارين: اما التمويل واما الرحيل؟ ويخطئ من يظن ان الرئيس نجيب ميقاتي الذي التزم علناً امام المجتمع الدولي دفع حصة لبنان من هذا التمويل سيسكت اذا صوتّت الاكثرية الوزارية ضد ما التزمه، ويكتفي بالقول، كما أشاع البعض، انه حاول ولم يستطع وهو يلتزم قرار الاكثرية عملاً بالأصول الديموقراطية.

في معلومات وزراء قريبين من الرئيس ميقاتي انه سيخيّر الوزراء قبل التصويت بين القبول بتمويل المحكمة او استقالة الحكومة، لأن الديموقراطية تعطي رئيس الحكومة واي وزير حق الاستقالة اذا تعارض موقف الاكثرية مع موقفه حول أي موضوع مهم، وقد حصل ذلك اكثر من مرة في تاريخ الحياة السياسية في لبنان ومنها عندما استقالت الحكومة الرباعية في عهد الرئيس شارل حلو بسبب الخلاف على دخول مسلحين فلسطينيين الى منطقة العرقوب وكان اول دخول لهم الى لبنان. وقد رفضه بشدة الوزيران بيار الجميل وريمون اده لانه سوف يفتح الباب امام دخول المزيد منهم فيصبح لبنان مهدداً بأمنه وحتى بمصيره، فيما لم يمانع رئيس تلك الحكومة عبدالله اليافي والوزير الحاج حسين العويني في هذا الدخول لئلا يؤدي التصدي له بالقوة الى حرب اهلية. وهذه الحرب وقعت في ما بعد وسببت الدمار والخراب للبنان. والخلاف على تمويل المحكمة الدولية اذا لم يحسم لصالح التمويل فالنتائج قد لا تكون اقل ضرراً على لبنان من نتائج الخلاف على دخول مسلحين فلسطينيين الى منطقة العرقوب، والضرر الذي سيلحق بلبنان هذه المرة سيكون سياسياً وامنياً واقتصادياً. واذا امكن في الماضي تشكيل حكومة بديلة من حكومة اليافي المستقيلة لأنه كان للدولة وجود اكثر منه حالياً، فإن لبنان قد يواجه في حال استقالت حكومة ميقاتي استحالة تشكيل حكومة بديلة فتتحول حكومة "كلنا للعمل" حكومة "تصريف اعمال" الى اجل غير معروف وتتوقف عجلة الانجازات المطلوبة في شتى المجالات ولا سيما التعيينات في الاسلاك الادارية والديبلوماسية والامنية والعسكرية، ويبقى الشغور في المديريات حائلاً دون تفعيل عمل الادارات العامة والمصالح المستقلة، يضاف الى ذلك الضرر الكبير الذي يلحق بالاوضاع الاقتصادية والمالية اذا ما اتخذت عقوبات بحق لبنان رداً على عدم ايفائه بالتزاماته حيال المحكمة الدولية.

لقد بات إدراج موضوع تمويل المحكمة على جدول اعمال مجلس الوزراء أمراً لا مفر منه، وان ادراجه يحتاج الى سلفة مالية يطلبها رئيس الحكومة ووزير المال ولا تحتاج الى توقيع وزير العدل الا بعد اقرارها. فهل يتم التوصل الى توافق على هذا الطلب حتى اذا تعذّر ذلك حسم الخلاف بالتصويت؟
ثمة من يقول ان الرئيس ميقاتي بالتفاهم مع الرئيس سليمان وعدد من الوزراء عند ادراج موضوع التمويل على جدول اعمال مجلس الوزراء سوف يعطون ما امكن من الوقت للتوصل الى توافق، اذ بمجرد ان يطرح هذا الموضوع على بساط البحث في مجلس الوزراء فإن ذلك يكون إشارة الى المجتمع الدولي يفهم منها ان لبنان جاد في الايفاء بالتزاماته، ولا يعود يُلحّ عليه كي يسرع في بته ويضغط عليه بالوقت.

والرئيس سليمان كما هو معروف عنه لا يلجأ الى طرح موضوع مهم على التصويت الا بعد استنفاد الوقت الكافي للتوصل الى اتفاق، لأن التصويت في نظره هو أبغض الحلال فكيف اذا كانت نتائجه قد تعرّض الحكومة للاستقالة، ثم مواجهة أزمة وزارية اذا ما استعصى حلها تتحول أزمة حكم، وهو ما يلحق ضرراً بالغاً بالاوضاع الاقتصادية والمالية وبمعدلات النمو فكيف اذا ما تعرض لبنان لعقوبات دولية؟

والسؤال المطروح هو: هل يتحمل "حزب الله" وحركة "امل" و"التيار الوطني الحر" مسؤولية تعريض لبنان لكل هذه الاخطار لخلاف على موضوع لا يؤثر في سير المحكمة الدولية حتى ولو لم توافق عليه الحكومة اللبنانية، وهل تتحمل هذه الاحزاب الثلاثة امام الله والتاريخ والوطن مسؤولية رفض تمويل يكون لرفضه عواقب وخيمة، وهل تفضل هذه الاحزاب ان تخسر حكومة هي حكومته، وتبقى المحكمة لتحاكم قتلة الرئيس الحريري ورفاقه مهما طال الزمن؟
الجواب هو عند هذه الاحزاب عندما يطرح موضوع تمويل المحكمة على مجلس الوزراء ويكون تطور الاحداث في سوريا جعلها تعيد النظر في موقعها. 

السابق
سقوط منطق الممانعة… في لبنان
التالي
سي آي إيه: الرقم المطلوب غير متوافر