أزمات.. ولا تسوية!

لم تتوصل الجهود، التي تبذلها دولة قطر حول الأزمة في سورية الى شيء، بعدما اصطدمت بحائط مسدود نتيجة رفع سقف مطالبها من دمشق، في حين "سدت" العاصمة السورية الطريق أمام محاولات اللجنة الوزارية العربية التدخل بالأزمة على طريقتها.
برزت في الساعات الأخيرة، زيارة رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني الى الممكلة العربية السعودية، حيث التقى ولي العهد ووزير خارجيتها. وقالت المعلومات إن الزيارة بحثت في كيفية اختراق الحائط المسدود الذي وصلت اليه المعالجات، ووضع تصور للخطوة التالية بمشاركة سعودية علنية، بعدما تلطّت هذه الأخيرة خلف العباءة القطرية نظراً إلى حساسية الموقف وحفظا لخط العودة، إلا أن اجتماعات السعودية لم تفض الى خطة واضحة، وسيظهر ذلك من خلال التأكيد فقط على مطالب اللجنة الوزارية العربية، مع تحديد آلية ما اصطلح على تسميته "العقوبات الاقتصادية" على سورية، في وقت سجل فيه تراجع في الموقف الأميركي حيال الجماعات المسلحة في سورية، كما سجل انكفاء واضح في حركة "المعارضة" السورية في الخارج بعدما نجحت دمشق في إحباط مخطط الجامعة العربية.

بدأ الحديث في الأروقة الدبلوماسية والصالونات السياسية في غير دولة عربية وأوروبية، عن ضرورة البحث عن قواسم مشتركة لاجتراح "تسوية" لا يموت فيها "الذئب ولا يفنى الغنم"، انطلاقا من التطورات التي تشهدها بعض الدول العربية ولا سيما منها مصر، وما استجد على ساحتها بشكل لم يكن في الحسبان ما قد يعيق مسارات سياسية كانت قد وضعت لاستيعاب المتغيرات التي جرت. كما تلحظ الدوائر التغير المفاجئ في الموقف اليمني، الذي تحدثت الأنباء عنه عبر توجه الرئيس اليمني الى التوقيع على اتفاق في السعودية يقضي بتنازله عن السلطة، الأمر الذي اكده مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر الى اليمن، عدا ما سرب عن بدء التحركات في شرق المملكة العربية السعودية، والتي اسفرت حتى الآن عن قتيلين وعدد كبير من الجرحى، وصولا الى التحرك الأخير الذي شهدته مملكة الأردن في السياق نفسه. ما تتحدث عنه الأوساط الدبلوماسية من ان تسوية يجري بحثها، تقول جهات سياسية رفيعة ان دول الممانعة ليست في واردها حتى ولو كانت واسعة النطاق، إذ إن اي عملية من هذا النوع إنما تنطوي على مخارج للأطراف المأزومة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، التي تتهيأ لتنفيذ خروج مذلّ من العراق نهاية العام الجاري من دون أي فرصة لتعديل هذا القرار. كما تفسح التسوية في المجال لخروج مجموعة الدول العربية من "مستنقع" الأزمة في سورية، بعد أن "استشرست" تلك الدول لخلق مسارات سياسية جديدة يكون لها دور اساسي فيها، استناداً إلى دور مالي لعبته في حوادث ما خلا من العام في أكثر من بقعة في المنطقة، مع الحرص على التمدد الأمني وانشاء قواعد عسكرية تعتمد بقوتها على بناء التحالفات.

الجهات السياسية نفسها تقول، إن منطق التهديد لن ينجح في جر الدول المعنية الى نوع من التسوية، لأنها ترى بوضوح أزمة المحور الآخر إن في العراق أو في الدول العربية ذات التأثير، مشيرة الى أن مشكلة صغيرة كالتي هي في مملكة البحرين لم تستطع كل دول مجلس التعاون الخليجي أن تفعل إزاءها شيئاً، بالرغم من استخدام ما يعرف بقوات درع الجزيرة، في حين أن الأمور لا يمكن أن تعود الى الخلف أبداً، فالمملكة التي استعانت بكل القوى في محيطها وساعدتها كل أجهزة استخبارات العالم، يجب أن تعلم أنها ستدفع الثمن. كما أن امكانية استغلال الازمة في سورية تراجعت بعد انكشاف أمر الجماعات المسلحة وأهدافها والجهات التي تدعمها، لا سيما وأن الشعب السوري عبّر عن رأيه تجاهها من خلال تظاهرات التأييد لحكومته، ورفضاً للتدخل الخارجي، ناهيك عما أظهرته القوى الأمنية والعسكرية من قدرة على السيطرة في اكثر من موقع بالرغم من الخسائر الفادحة التي لحقت بها.

لم ينجح الرهان على انشقاق الجيش في سورية، كما لم تنجح تهديدات تركيا المستمرة لخلق منطقة عازلة تقول المعلومات إن الاتجاه بات لإنشائها على الجانب التركي من الحدود، بعدما سقطت خيارات أنقرة والدول المعنية بفرضها على الجانب السوري، وبالمساحة التي كانوا يحلمون بها، ما يعني انها لن تحقق الهدف من اقامتها وان الاصرار عليها يندرج فقط في إطار الدعم المعنوي للمعارضة السورية المفككة التي بدأت تفقد إيمانها بما وعدت به، وتحولت برهاناتها على حلفائها من الدول الى مجرد جماعات خارجة على القانون ومتآمرة على الدولة وعلى الأمن في سورية.
تؤكد الجهات السياسية، أن لا تسوية في المدى المنظور وأن الكباش وعملية عض الأصابع مستمران، فبالقدر الذي تستبعد فيه كل الأطراف امكانية نشوب نزاعات مسلحة وحروب في أكثر من اتجاه بالرغم من سيل التهديدات، فإنه لا مكان للتسوية بين المحورين المتصارعين، في حين أن محور الممانعة بات مستعدا لأي مواجهة قد تفرض عليه، بل إنه بات يشعر أنه يحتاجها فعلاً.  

السابق
الحرب على سوريا حقيقة أم زوبعة في فنجان؟
التالي
اين السياديين؟