نعم طبِّقوا التوصية الغبيَّة

المؤيدون لجماعة المقاطعة طائرون من الفرح بافتتاحية جريدة «الواشنطن بوست» التي خلصت فيها إلى أن «ما تحتاجه الكويت اليوم ليس اتخاذ قرارات صارمة وبطشا، لكنها تحتاج تطوراً سريعاً نحو ديموقراطية حقيقية يتم فيها اختيار رئيس الوزراء من قبل الأغلبية البرلمانية»، يعني حتى الواشنطن بوست تطالب برئيس وزراء شعبي. طبعاً.. المؤيدون لم يعنوا بصدر المطالبة وأصلها، وما تم بناء مطلب الحكومة المنتخبة من البرلمان عليه وهو «تطور سريع نحو ديموقراطية حقيقية»، لكنهم بالطبع أخذوا من الافتتاحية ما يعجبهم… تماماً كما ينتقي أئمتهم من دستورنا الجانب الذي يريحهم الركون إليه.«الديموقراطية الحقيقية» تعني حرية الاختيار وحق التعددية ومبدأ تداول السلطة، فهذه وحدها تعني حكومة «شعبية» يكون الوزير فيها من جماعة المقاطعة، مثل ما يجوز أن يكون فيها من الجماعات المعارضة لهم.
حسب الرأي والاستبداد الشمولي السائد «اجتماعياً» وليس سياسياً هنا، فإن المسيطر والمهيمن هو الرأي الديني السلفي، وليس هناك مجال لرأي أو مذهب آخر. قانون المطبوعات والمرئي والمسموع، بل وزارة الإعلام برمتها والتربية معها، مهمتهما الأساسية فرض هذا الرأي الشمولي وترويجه. غير مسموح لأحد خارج هذا الرأي أو المذهب أن يفكر أو أن يتدبر أو حتى أن يبحث في أمور دينه أو دنياه. فكل شيء معد وكل شيء مسبق، من قيادة الجامبو بدعاء الركوب إلى دخول الحمام بدعاء آخر. وكل من يحاول أن يفكر أو أن «يتدبر» يسلط عليه سيف المادة 19 من قانون حماية الذات الإلهية والأنبياء والرسل والصحابة وأمهات المؤمنين وأهل البيت… أي قانون حماية الرأي والمذهب السلفي الوحيد في البلد.
فأي حرية وأي تعددية وأي تداول للسلطة هذا؟.. وأي ديموقراطية حقيقية..؟! الغبي ابن الغبي، كاتب افتتاحية «الواشنطن بوست» كان المفروض أن يعلن أن رئيس الوزراء في ديموقراطية أهل المقاطعة يتم اختياره في هيئة الفتوى أو في المسجد الكبير وليس في البرلمان، لأن البرلمان ليس له سلطة في الحكم الشمولي لأهل المقاطعة.

لكن مهلاً، هل يعقل أن يكون كاتب الافتتاحية بهذا الغباء، وهذا الجهل في بديهيات النظام الديموقراطي، معقولة.. الواشنطن بوست عاد! المقربة جداً جداً من وزارة الخارجية الأميركية! اعتقد أن الكاتب يتذاكى ولكن فعلاً بغباء، فهو يرسم لما يبدو أنه تعاط جديد للسياسة الأميركية في المنطقة قائم على استمالة ما يعتقدون أنه «إسلام معتدل» تحسباً من سيطرة الإسلام الأصولي أو المتطرف، يعني القاعدة، على الأمور في الشرق الأوسط. كاتب الافتتاحية يعلم حدود و«نهج» جماعة المقاطعة عندنا، ولكنها المصلحة هي التي جعلت منه خبيراً في الشأن الكويتي، ومنظراً – لما ربما لا يفقه فيه شيئاً – للنظام الديموقراطي.
إننا كما يعلم أغلبنا، وكما من المفروض أن يعلم «متذاكي» الواشنطن بوست، نعيش بربيع منذ خمسين سنة، وإننا بحاجة فعلاً إلى «ديموقراطية حقيقية» تطلق فيها حرية الرأي والتعبير والمعتقد، ويتم فيها تداول السلطة وقبل كل هذا يتساوى فيها الناس، بغض النظر عن أصلهم أو مذهبهم، وليس إلى نظام «انتخابي» يتحكم فيه بنا المتخلفون من حبايب الواشنطن بوست هذه الأيام.  

السابق
… أن نشبه العالم!
التالي
الجيش يفجر ذخائر في خراج برعشيت