شاشات الطوائف تتربص بنا

كمن يترك الباب مفتوحا نترك الشّاشة الصغيرة مفتوحة على البصر والبصيرة..فتطالعنا ونحن نجالس المساء والرّماد وثرثرات السياسة المحلّية وما يجري من ثورات عربيّة وتشدّنا إبتسامات مذيعات نشرات الأخبار وتقاسيم وجوههنّ الغائرة في تجاويف الطوائف والملل والأحزاب…فنصطلي دفءً من مطر الأخبار ويأخذ كلّ من حاجته الطّائفيّة من هذه النشرة أو تلك…وننام ونصحو على نشرات مماثلة في التجييش والتحريض وهزّ الفرائص….حتى النشرة الإخباريّة لم تعد تلبّي غرائزنا الزائدة وهي متعطّشة دائما لمن يطلع من الشاشة ببشاشة الوجه ليسوّد وجوه الأعداء الذين يتربّصون بنا شرّا ويكمنون لنا على الطريق المؤدّي إلى إدلب ومدن من هلالنا الخصيب…. ما أجمل المناسبات وعلى كثرتها وما أجمل الدّم وهو يجمعنا مقرفصين حول الشّاشة ويلمّ شتاتنا ويضخّ في أذننا حقنا من خطب وعظيّة تفرك لبّ المشاهد وتجعله يمشي على الصراط وهو مغمّض العينين بيافطة حزبيّة أو بقماشة شيخ يبيع مسوح الدّين على حمار سوق يوم الجمعة…أحمدُ من يُحمد على وفرة الكرامة التي ننعم بأفيائها وعلى وحدتنا الطّوائفيّة وبيئاتنا المغلقة والمقفلة الأبواب والأحزاب وعلى الأساتذة السّياسيين والدّينيين الذين يسمّعون لنا دروس الصباح والمساء وما نحفظه من شتائم وأناشيد تحيّ القادة الأبرار….منذ أربعين عاما وأنا مسمّر أمام الشّاشة ونوافذ أبطالها لم أغادر غرفة الجهة أو الطّائفة أو دولة الحزب الواحد وما زلت أعاين الدّاخلين إليها من شبابيك الثورة لعلّ البؤس يخرج من بأس ما نسمع ولعلّنا نسمع ولو لمرّة واحدة بأذن الوطن واجب الحبّ المقدّس فنفترق فيه بدلا من أن نجتمع عليه ويأكل كُرهُنا ما تبقّى من يباس الرأس بعد أن أكل أخضرَه حقدُ رصاصنا وحروبنا الغابرة والقادمة من خلف الشّاشات ونشرات اخبار طوائف لبنان…
السابق
متان الاسرائيلي: سنبذل مجهودا كبيرا ونوظف اموالا تحسبا لمواجهة مع حزب الله
التالي
سليمان: مرتاحون لكشف الجرائم ونحض الاجهزة الأمنية على تكثيف جهودها