الحياة: ميقاتي يصر على تحييد تمويل المحكمة ويحتفظ بخياراته من الاعتكاف إلى الاستقالة

قالت مصادر وزارية إن جلسة مجلس الوزراء اللبناني التي ستعقد في 30 الجاري والمخصصة للبحث في طلب وزير المال محمد الصفدي سلفة خزينة لتسديد حصة لبنان من المحكمة الدولية لن تكون الأولى والأخيرة، وإن إصرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على إدراج طلبه على جدول أعمال الجلسة يهدف إلى وضع الأطراف المشاركين في الحكومة أمام مسؤولياتهم لجهة تأكيد التزاماتهم بتطبيق القرارات الداخلية وأبرزها المحكمة الخاصة بلبنان.

وأكدت المصادر الوزارية لـ «الحياة» أن جلسة مجلس الوزراء الأربعاء المقبل لن تنتهي إلى حسم الموقف من تمويل المحكمة باعتبار أن أمام الحكومة مهلة تنتهي في 15 كانون الأول (ديسمبر) المقبل لتسديد مساهمة لبنان في المحكمة، بمقدار ما أنها تضع قطار التمويل على السكة في محاولة للضغط من أجل التوافق على التمويل وبالتالي إخراج هذه المسألة من التجاذبات داخل الحكومة بين فريق مؤيد وآخر معارض يشكل الأكثرية حتى الساعة في مجلس الوزراء ما لم يطرأ تبدل في المواقف تدفع باتجاه إقرار التمويل لتفادي إقحام لبنان في صدام مع المجتمع الدولي على خلفية إخلاله بتعهداته بتطبيق القرارات الدولية والتزامه بمفاعيلها.
 فرصة للمشاورات الدولية والإقليمية

ولفتت إلى أن اقتراب جلسة مجلس الوزراء من شأنه أن يشكل فرصة لإجراء جولة من المشاورات الدولية والإقليمية تتزامن مع المفاوضات الجارية في الداخل لاختبار ردود الفعل الخارجية في حال استحال على الحكومة تأمين الأكثرية الداعمة لتمويل المحكمة، في ضوء إصرار «حزب الله» و «التيار الوطني الحر» والقوى الحليفة لهما في مجلس الوزراء على رفض التمويل، وفيما يتجنب رئيس المجلس النيابي نبيه بري الكشف عن حقيقة موقفه، وهو كان تمنى على ميقاتي عدم إدراج بند التمويل على جلسة مجلس الوزراء هذا الأسبوع ولم يكن في وسع الأخير بعد التشاور مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان سوى الاستجابة لطلبه لعله ينجح في توفير الأجواء لإنتاج مخرج يجنب البلد الدخول في أزمة حكم مفتوحة.

ورأت المصادر الوزارية أن ميقاتي يصر على حسم موقف الحكومة من التمويل من خلال طلب الوزير الصفدي سلفة لهذا الخصوص، بعدما تقرر تأخير البحث في مشروع قانون الموازنة للعام المقبل بذريعة أنه يتضمن مادة «متفجرة» يمكن أن تهدد مصير الحكومة وعنوانها البند المتعلق بتمويل المحكمة.

واستبعدت المصادر أن تبادر الأكثرية في الحكومة إلى تطيير النصاب في جلسة مجلس الوزراء الأربعاء المقبل بذريعة أنها ليست مضطرة لحرق المراحل طالما أن لديها من الوقت ما يبقي الباب مفتوحاً للبحث عن مخرج.

وإذ تجنبت المصادر عينها تسليط الضوء على حقيقة الموقف السوري من تمويل المحكمة مع أنها تدرك أن دمشق لن تمارس أي ضغط على حلفائها لدفعهم إلى اتخاذ موقف مؤيد للتمويل، أكدت في المقابل أن الرئيس ميقاتي لن يكتفي في حال تعذر عليه انتزاع الموافقة على التمويل بالقول للمجتمع الدولي إنه حاول جاهداً لتمويل المحكمة لكن الأكثرية في مجلس الوزراء لم تتجاوب معه.

وأضافت: «تكليف ميقاتي لم يقابل بردود فعل دولية وإقليمية معارضة، وهو أعطي فترة مديدة من السماح لعله ينجح في إقران أقواله عن احترام القرارات الدولية وتطبيقها بأفعال»، مشيرة إلى أنها لا تأخذ بما تروج له القوى المعارضة في الحكومة للتمويل من أن المجتمع الدولي لن يفرض عقوبات على لبنان لأنه لا يريد تقويض الاستقرار فيه «وهو يبدي حرصه الشديد على التهدئة وضبط زمام الأمور لقطع الطريق على إقحامه في مسلسل من الفوضى السياسية يمكن أن يترتب عليها تداعيات أمنية».

موقف وزراء "جبهة النضال الوطني"

وفي هذا السياق، سألت المصادر عن رد فعل الوزراء المنتمين إلى «جبهة النضال الوطني» بزعامة وليد جنبلاط على عدم تمويل المحكمة، وقالت: «هل يستمر هؤلاء في حكومة لم تلتزم بما تعهدت به في بيانها الوزاري لا سيما في شأن المحكمة الدولية؟». كما سألت عن موقف رئيس الجمهورية والوزراء المحسوبين عليه وهو كان خاطب اللبنانيين في رسالته لمناسبة الذكرى الثامنة والستين لاستقلال لبنان بموقف جدد فيه التزامه بالقرارات الدولية وخصوصاً المحكمة الخاصة بلبنان.

إلا أن المصادر رفضت التعليق على ما يشاع من أن ميقاتي قرر استخدام سلاح الموقف لاستصدار قرار من مجلس الوزراء بتمويل المحكمة وهو يدرك سلفاً أن بعض الأطراف المناوئة لهذه المحكمة ستضطر في نهاية المطاف إلى إعادة النظر في موقفها إذا ما خيّرت بين الموافقة على التمويل وبين إطاحة الحكومة وذلك في اتجاه الحفاظ على الأخيرة ومنع تعريضها إلى هزة سياسية من الداخل ستؤدي حتماً إلى إعادة خلط الأوراق وصولاً إلى تبديل جذري في المشهد السياسي الذي كان وراء إيصال ميقاتي إلى سدة الرئاسة الثالثة.

وكشفت المصادر أن رئيس الجمهورية لم يترك مناسبة إلا وأبدى فيها نصائحه للمعترضين على تمويل المحكمة وحضهم على التجاوب معه «لأن عدم تمريره سيهدد صدقية كل من التزم بتطبيق القرارات الدولية».

وأوضحت أن ميقاتي لا يتوخى من خلال إصراره على التمويل، إحراج محور الأكثرية في الحكومة بمقدار ما أنه يتطلع إلى قطع الطريق على ردود الفعل الدولية التي لا يمكن لبنان أن يتحملها في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية المتمادية التي سيكون لها ارتدادات سلبية على مجمل الوضع الاقتصادي في لبنان إضافة إلى الانعكاسات الناجمة عن تقديم البلد وكأنه خارج عن إرادة المرجعية الدولية.

لكن هذه المصادر ترفض أن تنوب عن ميقاتي في تحديد طبيعة الموقف الذي سيتخذه في حال انتهت المهلة المعطاة للبنان لتسديد حصته من المحكمة من دون أن يقرن أقواله بأفعال تنفيذية.

ونقلت المصادر عن ميقاتي قوله إنه لا يريد أن يستبق الأمور وبالتالي يتسرّع في تحديد موقفه منذ الآن، «لكنه في النهاية سيتخذ القرار المناسب وفي ضوء ما ستنتهي إليه المفاوضات في مجلس الوزراء».

ولم تؤكد المصادر أو تنفي ما تردد عن أن موقفه من عدم التمويل سيتطور تدريجاً من الاعتكاف إلى الاستقالة في حال أن الخطوة الأولى لم تحقق الأهداف المرجوة في حض المعترضين على التمويل لإعادة النظر بموقفهم.

واعتبرت المصادر أن استقالة ميقاتي مع أنه من السابق لأوانه الخوض فيها ستفتح الباب أمام دخول البلد في مرحلة جديدة من تصريف الأعمال من دون أن تمهد حتماً لدعوة سليمان إلى إجراء استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس الحكومة الذي سيخلفه في سدة الرئاسة الثالثة.

التأزم السياسي

وعزت السبب إلى أن تصريف الأعمال هذه المرة يعني أن لبنان يمر في مرحلة من التأزم السياسي لا يمكن تجاوزها بسهولة باعتبار أنها ستقحمه في انقسام عمودي حاد.

لذلك، فإن عدم التمويل سيضع لبنان أمام مرحلة سياسية جديدة وسيوفر للمعارضة فرصة لتسجيل بعض النقاط على الأكثرية لكنها لن تكون قادرة على حسم الموقف لأن خصومها في الداخل ومعهم سورية على رغم الأحداث الجارية فيها، لن يسمحوا لها بأن تستعيد زمام المبادرة وبالتالي سيعاني البلد من أزمة حكم مفتوحة.

وعليه، فإن تعدد السيناريوات لمرحلة ما بعد التلكؤ في تمويل المحكمة تبقى قائمة إلا إذا رضخت الأكثرية في الحكومة للأمر الواقع وقررت أن «تهضم» التمويل مسجلة على نفسها التراجع أمام تهديد ميقاتي بالاستقالة لأنه لا يريد أن يستمر وحده في تلقي الضربات بينما محور الأكثرية في الحكومة ينعم بالسلطة. 

السابق
كنعان: اليد التي ستمتد الى المال العام وحقوقنا وكراماتنا سنكسرها
التالي
النبطية وفعاليات المنطقة تحتفل بعيد الاستقلال