الانذال

عندما اعتقل القذافي رأينا كيف تم اذلاله واساءة معاملته.. وانتقدنا ذلك ليس لأنه محصن بل لانه يجب ان يعامل بطريقة مغايرة كالتي عامل فيها خصومه واعداءه.. وعندما اعتقل ابنه وذراعه الايمن سيف ابيه على حد وصف زميلنا عدلي صادق فإنه عند انزاله من الطائرة أهين.. ولو لم يكن تحت حراسة مشددة للقي مصير ابيه.. لكن هذا لا يعني تبرئته من جرائم او تبرئة والده.

ففي الصور عن التنكيل والقتل بالشعب الليبي على مدى اربعة عقود ونيف لم تكن الكاميرا تصور مشاهد الرعب والذبح المبرمج وإن شاهدنا صورا للضحايا فإننا لا نشاهد صور الجلادين. فالصورة للضحية لا تكتمل الا بصورة الجلاد.. ولعلنا لاحظنا كيف ان اقطاب النظام الليبي تساقطوا واستسلموا دون مقاومة تذكر عند اعتقالهم كالقذافي وابنائه ورئيس مخابراته لان من صفات الدكتاتور النذالة والجبن فهو ليس مستعدا للمقاومة بشخصه بل بأدواته وليس مستعدا للتضحية بنفسه. حدث مثل هذا عندما استسلم قادة النظام العراقي واحدا بعد الآخر دون مقاومة باستثناء عدي وقصي اللذين قاتلا حتى الموت ووالدهما صدام الذي جرى تخديره قبل اعتقاله لكنه اظهر شجاعة ورباطة جأش اثناء سجنه ومحاكمته حتى التفاف حبل المشنقة من يدي مقتدى الصدر على عنقه ربما لانه صاحب قضية يؤمن بها.
يمتاز الاستبداديون عادة بعدم اخذ العبرة من غيرهم ومن التاريخ ويوغلون في غيهم دون رجعة حتى النهاية. ويكررون الاخطاء نفسها ويعتمدون على شريحتين في الحكم هما طبقتا المفسدين والفاسدين وكلتاهما تتميزان بالجبن مثلما قال مستشار لسعيد الاول والواحد والعشرين في رواية تحمل الاسم نفسه «الناس نوعان.. نوع مفسد ونوع قابل للافساد وعلينا استخدام المفسدين لانتاج فاسدين فالمؤلفة جيوبهم يمكنهم السيطرة على المؤلفة عقولهم». فيما قال له مستشار سابق لدكتاتور مخلوع «اذا اردت البقاء في الحكم فأعد ترتيب حواسك ومهماتها». واضاف: «عليكم بتقريب الابعدين وابعاد الاقربين حتى يستقر الامر لكم» ولما سئل عن مغزى قوله اعادة ترتيب الحواس قال «ان ترى بأذنيك وتسمع بعينيك وتشم بلسانك وتجمد مشاعرك ان لم تستطع منحها اجازة مفتوحة بمعنى الا تترك شيئا للصدف».

وعندما سأله سعيد عن مغزى كلامه من تقريب الابعدين وابعاد الاقربين اجاب بسرعة «اياكم ان تركنوا الى من تعتقدونه قريبا منكم، بل استعينوا بمن هو بعيد فهو اكثر اخلاصا».
كان سعيد يستمع الى مرزوق وقد ارخى رأسه على كفه واصابعه تتراقص على خده، كان يرى في مرزوق غراب نحس ولكنه كان يريد الاستفادة من تجربته وعاد يسأله: وأي الرجال اضمن يا مرزوق؟ فأجاب «الجبناء.. الانذال.. يا سدي فالحكم ليس بحاجة الى شجعان بل الى جبناء لان الجبان يطيع وينفذ دون نقاش اما الشجاع الجريء فإنه يفكر ويناقش.. والجبان اذا وليته يكون قاسيا لا يرحم احدا اما الشجاع فهو رحيم ولا مكان للقلوب الرحيمة في وضع كهذا».  

السابق
إستقلال النبطية اقتصر هذه السنة على الاطفال فقط
التالي
انفجار يهز بلدة صديقين ليلا