إستقلال أو إستهبال؟

سأبدأ مدونتي بشكل روتيني و معايدة اللبنانيين بعيد إستقلالهم دون أن أستذكر أمجاد معتقلي قلعة راشيا و نضالهم نحو التحرر، متجاهلا” أيضا” أن الإستقلال الأول لم يكن إلا بتدخل خارجي من الجنرال البريطاني سبيرز الذي ضغط على الفرنسيين حتى قبلوا، و متناسيا” أن الإستقلال الأول كان في ال 1920 يوم أعلن لبنان دولة من قصر الصنوبر، كي أعتبر أن إستقلال ال 1943 هو الأصيل، كي أعود و أبارك للبنانيين عيدهم.

لم أسمه الإستقلال الأول من فراغ بل نظرا” لغنى التاريخ اللبناني بالإستقلالات كما غناه بالشخصيات من الذين إرتادوا المزابل التاريخية حينا” أ و مجدّوا أبطالا” أحيانا”، فالإستقلال الأول أتى بالميثاق الوطني و كرّس الأعراف، الإستقلال الثاني و هو الأوفر حظا” بحمل هذا الأسم هو إستقلال 25 أيار، يوم طرد الصهاينة بفعل البنادق و الدّم لا إتفاقات من يلبس الطريوش مصحوبا” بدعم خارجي بريطاني كان أم فرنسي، أما الإستقلال الثالث، مع الأسف كان شبيها” للأول، مدعوما” و مغطى خارجيا” ليأتي بزعماء على شاكلة الخوري و الصلح، ينصبون على أساس إتفاقات و تسويات إقليمية، هو إستقلال 26 نيسان يوم إندحار آخر جندي سوري عن الأراضي اللبنانية و الذي كان نتاج دماء شهداء لا يذكرون اليوم و مخطوفين نستهم الدولة، لا لشيء بل فقط لأن من قتلهم و خطفهم هو شقيق مع أن الأشقاء لا يقتلون بعضهم بعضا”..فكانت بالمختصر، تواريخ “الإستقلال كولكشن”. لا أريد أن أسرد أحداثا” تاريخية كأني أستاذ في مدرسة، بل سأقفز إلى اليوم، في بلد مستقل لا مؤسسات فيه بل مومسات تستلم مقاليد الحكم بعد تنويم الشعب بشعارات غطاها الصدأ و ما عادت تنطلي إلى على المراطن، ففي وطن لا كهرباء، طبابة، ماء، طرقات أو حتى أدنى مقومات الحقوق البشرية، يرفع اللبناني رأسه و يفخر بعيده، يستقبل رئيسه الشكلي عديم الصلاحية السفراء، يضحكون في قرارة أنفسهم عند مصافحته و لسان حالهم يقول:”مصدّق إنو بلدو إستقلّ و هو عايش على المساعدات، حتى من سيرلانكا”، نعم، إنه وطني المستقل، وطن ال 18 وطن، و في كل وطن منهم أوطان، يحملون السلاح و يشيدون المؤسسات و يغصون غمار التكنولوجيا من تويتر إلى فايسبوك و من يعلم، ربما أفلاما” إباحية من بطولة نايلة معوّض، وطني عديم الجيش، لا لأن الجيش ضعيف، بل لأنه الوحيد الذي يجمع اللبنانيين دون أن تنخر عظمه سوسة الطائفية و المحاصصة فوجب تهميشه لصالح قوى الأمن المحسوبة على أرباباها من زعماء الطوائف.

بنان، لا أعرف من المسؤول عن إختيار الإسم، لكني شبه أكيد أنه لم يعرف طبيعة ساكنيه إلا إذا كان واحدا” منهم، فهم ساعة عرب و ساعة فينيقيين، مش هيني إنك تكون لبناني، هيدا المقطع حابب إكتبوا بالعامية، لأني عم بسمع رئيس الجمهورية هو و نازل فينا غزل و نفخ، تحت شعار، إنفخ راس اللبناني..بتركبوا على العمياني، و لكن لفتني رسائل يتداولها البعض، حول الجنسية الفرنسية و الندم على الإستقلال، يعني، لا أعرف، لو كنّا في فرنسا ما كان جرى، فؤاد السنيورة رئيس حكومة هناك، و رفيق دو حريري شهيدا” يضارب على برج إيفل في الشهرة، أو نبيه بريّان رئيسا” لمجلس النواب، فيدخل متحف اللوفر كتحفة، أو لا، اللوفر يستقبل السياسيين اللبنانيين جميعا” و تجعل من تاريخ عائلاتهم و وراثتها تحفة أثرية فنيّة، فإذن، لا بدّ لنبه برّيان أن يكون أبرز شخصية تجسد قيم الحرية..كل عيد إستقلال، و نحن بخير. 

السابق
النووي الايراني يقلق راحة إسرائيل
التالي
بري تلقى برقية تهنئة بالاستقلال من الخرافي