غوغائية ديختر

 في رد على الانتقاد اللاذع والضغوط في حزب كديما، رجع عضو الكنيست آفي ديختر عن اقتراحه الأصلي لـ "قانون أساس: دولة اسرائيل باعتبارها دولة الشعب اليهودي"، وعرض بدلا منه صيغة يفترض أن تكون أكثر ليناً. لكن من عارض الصيغة الاولى سيعارض الصيغة الثانية ايضا. فالقانون بصيغته الجديدة ايضا فضلة من جهة وهو من جهة ثانية يزيد التوترات بين اليهود والعرب عمقا وبين أجزاء مختلفة ايضا في الجمهور اليهودي، وسيسيء الى سمعة دولة اسرائيل. يوجد دواء واحد لاقتراح القانون هذا وهو أن يُطوى تماما.
تشهد احدى الصيغ الجديدة التي تظهر في الاقتراح المُعدل على نوع عدم ثقة أساسي يمكن أن نعجب فقط من أن انسانا مثل ديختر كان رئيسا للـ "الشباك" مصاب به. فالمادة الثانية تقضي بأن هدف القانون هو "الدفاع عن مكانة اسرائيل باعتبارها الدولة القومية للشعب اليهودي". ومن كان يعتقد ان هذه الصيغة القانونية أو تلك – لا الواقع السياسي – هي التي ستدافع عن دولة اسرائيل، فهو شديد الغفلة. وفي المقابل من يزعم، كما ورد في المادة (1 ب) أن "حق تحقيق تقرير المصير القومي في دولة اسرائيل هو للشعب اليهودي وحده"، مفصول كما يبدو عن العالم.
في الشؤون الرئيسة بقيت عيوب الاقتراح الأصلي على حالها. فقد أُضر بمكانة اللغة العربية ولا يهم أن تُسمى العبرية الآن "لغة الدولة" لا "اللغة الرسمية": فقد سُلبت العربية مكانتها المساوية التي هي لها الآن باعتبارها اللغة الرسمية الثانية في اسرائيل.
وتكرر المادة (9 ب) محاولة الالتفاف على قرار حكم محكمة العدل العليا في محاكمة قعدان، للتمكين من وجود بلدات تغلق في وجوه العرب. وفي المقابل، فان المواد التي تقضي بأن "الدولة ستعمل على جمع الجاليات" (المادة 6)، أو أن "الدولة ستعمل على تقوية الصلة بين اسرائيل ويهود الجاليات" (المادة 7) هي بمثابة خطابة مجردة، ومن المؤكد أنه ليس لها مكان فيما يريد ان يكون قانون أساس.
من جهة اخرى، لا يعلم مقترحو القانون أن اقتراحهم سيمنح المحكمة العليا، وعلى نحو تناقضي، صلاحيات واسعة جدا. فان مادة شمولية مثل (9 أ)، تقضي بأن "كل واحد من سكان اسرائيل بلا فرق في الدين والقومية، يحق له ان يعمل في الحفاظ على ثقافته وتراثه ولغته وهويته"، تفتح بابا واسعا بلا تحفظ لدعاوى تُرفع الى المحكمة العليا من قبل جماهير واسعة في الدولة. ومن اليقين أن يكون هذا من قبل الجمهور العربي أو أجزاء منه. فهؤلاء وغيرهم يستطيعون إغراق الجهاز القضائي بدعاوى لا تحصى تقوم على الصيغ الغامضة في هذا القانون الأساس.
والامر مشابه ايضا فيما يتعلق بمضمون المادة (8 أ) وهو أنه في جميع "مؤسسات التربية التي تخدم جمهورا يهوديا في البلاد سيدرسون تاريخ الشعب اليهودي وتراثه وتقاليده". ولما كانت هذه المصطلحات بعيدة عن كونها مفهومة من تلقاء نفسها أو مقبولة عند الجميع، فمن شبه المؤكد أن ما سيحدث هو أن تحدد المحكمة العليا البرنامج الدراسي.
وستمنع المادة (14) في اقتراح القانون التي تجعل حرية الوصول الى الاماكن المقدسة لأبناء جميع الأديان حقا دستوريا، ستمنع كما ينبغي أن نفترض، الشرطة من وضع قيود على دخول يهود الى جبل الهيكل. وستمنع امكانية تقييد دخول مصلين مسلمين الى المساجد على حسب السن.
باختصار، الفوضى التي ستهيمن اذا تم قبول القانون تشهد على عدم الخبرة والتعجل في الاقتراح الذي يريد أن يرضي غرائز غوغائية ويتجاهل سلسلة طويلة من نتائج مصاحبة متوقعة وغير متوقعة. يحاول اقتراح القانون ان يدق مسامير في أكثر المواضيع لطفا من الواقع الاسرائيلي المركب. وهذا بالضبط السبب الذي جعل المشرع الاسرائيلي يصعب عليه أن يصوغ دستورا. ليس في الاقتراح أي فائدة، وضرره عظيم.
يمكن ان ندرك ان من الصعب على عضو الكنيست ديختر أن يتخلى عن اقتراحه تماما. لكن لما كان ذا شعور وطني فينبغي ان نأمل أن يصفح عن كرامته وأن يُزيل اقتراحه عن جدول الاعمال. فليس له مكان في البرلمان الاسرائيلي: فاسرائيل دولة الشعب اليهودي وهي دولة ديمقراطية بغير هذا الاقتراح المضر ايضا. 

السابق
العربية لغة صعبة
التالي
خير الدين: الاستقلال انجز معنويا بهزيمة العدو