طلال المجذوب: لتتضافر الجهود للإضاءة على عراقة صيدا

 هو واحد من المؤرخين في مدينة صيدا، وقد يكون الوحيد فيها الذي ما زال ينكب على توثيق تاريخها وحضارتها، فجمع في مكتبته الخاصة ما يزيد عن 2000 كتاب معظمها عن صيدا وتاريخها وعاداتها ومعالمها الدينية والأثرية، إضافة الى جمعه لبعض النقود النادرة والقديمة، ومنها ما يعود الى ما قبل الميلاد، حيث يمضي بخطى ثابتة على طريق اصدار مجلدات عن مدينة صيدا تحتوي كل تفاصيلها··
انه المؤرّخ الدكتور طلال المجذوب، الذي ولد في صيدا في العام 1935، وتلقى جزءاً من دروسه في مدارس المدينة، وتحديداً في <مدرسة الرشدية>، قبل أن ينتقل الى الأردن، حيث عاش ردحاً طويلاً من الزمن، وتخصص في دراسة التاريخ، وحصل على إجازة من <جامعة طهران> ? إيران و<ماجستير> من <جامعة عين شمس> في مصر، وأكمل الدكتوراه في <الجامعة اليسوعية>، متخصصاً في التاريخ الاجتماعي·· ولأنه عشق مدينته صيدا، أراد أن يكتشف المزيد من أسرارها وتاريخها··

<لـواء صيدا والجنوب> التقى المؤرّخ المجذوب بين <معمعة> كتبه وأبحاثه ليروي تفاصيل حكايته مع صيدا··

   غربة وعودة الدكتور المجذوب، الذي ما زال يتمتع بروح الشباب رغم بلوغه 76 عاماً ونيف، يقول: إن تقديماتي لمدينة صيدا ما زالت متواضعة قياساً على عظمة المدينة ومجدها وتاريخها، وعندما انتقلت من الأردن الى صيدا منذ 40 عاماً، أردت التخصص في تاريخها، وكانت الفكرة عندي عن صيدا ولبنان بشكل عام فكرة سائح، فالبلد شغل الدنيا والكون، ولكن عندما أقمت فيه تفاجأت بحجم المشاكل الكبيرة، وأصبت بخيبة أمل، لأنه تبيّن لي أن هناك فرقاً كبيراً بين الكلام والفعل·

وأضاف: بعد عامين، وجّهت إهتمامي الكلي لمدينة صيدا، لأنها عريقة تاريخياً، ولعبت دوراً مهماً في تاريخ لبنان في محاولة لرفع الإهمال والجهل والتقصير، للذين لا يعرفون تاريخ مدينتهم وتطوّرها، حتى أن حكايات كثيرة تبدو وكأنها حقائق، وتنكشف أنها غير صحيحة، لذلك قررت أن أتعمق في دراسة تاريخ مدينة صيدا بعائلاتها ومواقعها التاريخية وحضارتها·

وتابع: ليست كل كتبي مخصصة عن صيدا، فهي متنوّعة تحاكي مختلف نواحي الحياة، وقد شاركت بأبحاث ومقالات عن المدينة في ندوات ومؤتمرات كثيرة، ومنها في الأردن عام 2006، للجنة تاريخ بلاد الشام عن الأوقاف فيها، وذهبنا 16 باحثاً نتحدث عن الأوقاف الإسلامية والمسيحية في لبنان·

تاريخ صيدا وأوضح الدكتور المجذوب <أن مساهمتي في أبراز تاريخ صيدا وحضارتها، كان عن طريق تطوعي وانتسابي الى جمعيات صيداوية، ومنها <جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية> التي لعبت دوراً مهماً جداً في تطوير المدينة على مختلف نواحيها، وشكلت رافعة للتعليم الإسلامي، وما زلت أذكر كيف أن مفتي صيدا والجنوب الراحل الشيخ محمد سليم جلال الدين، قرر دمج صفوف الإناث والذكور، بسبب الأزمة المالية التي عصفت بالجمعية، فضلاً عن تأسيس <مدرسة الرشدية>، وهي أول مدرسة رسمية عام 1873 وما زالت تحمل ذات الإسم في محلة القناية>·

وأردف: لقد ألفت كتاباً عن <المقاصد> وتاريخها حتى العام 2002، وهو يحتوي على كامل التفاصيل التي عاشتها الجمعية، ومنها لجنة المميزين الذين يختارون الأساتذة، وتضم يهوداً ومسيحيين، إضافة الى المسلمين، دون النظر الى الطوائف، لأنهم صيداويون خلافاً لبقية المدارس الأخرى التي اعتمدت الطائفية أو المذاهبية، فضلاً عن أساتذة من كل الطوائف والمناطق من كبار الأساتذة والأدباء والمؤرخين، وخاصة ما يتعلق باللغة الفرنسية، ومنهم: مكسيم رودورسن، المستشرق الفرنسي الشهير، وذلك بهدف رفع مستوى التعليم·

جمعية ومجلس وأشار المجذوب الى <فكرة انشاء <جمعية صيدا التراث والبيئة> برئاسة النائب بهية الحريري وأنا نائباً لها، وعملنا كفريق عمل لأن الشخص الواحد لا يستطيع الإضاءة على المدينة وتاريخها، ويحتاج الأمر الى تكاثف الأيدي، هناك أشياء كثيرة ما زلنا نكتشفها حتى الآن ومنها الآثار·· وقد كان للجمعية الفضل في تأسيس <المجلس البلدي للأطفال>، إذ أنه عندما كنا في تونس، علمنا بوجود عملية انتخاب <المجلس البلدي للأطفال>، فأعجبت الفكرة النائب الحريري، فطلبت مني التفرغ لهذا الأمر حتى أصبح حقيقة، ولعبت الصدفة دوراً مهماً، إذ ذهبت الى البلدية <المهدية>، وكانت المفاجأة أن رئيس البلدية من آل مجذوب، فاكتسبت الكثير من الخبرة في مجال <المجلس البلدي للأطفال>، وتحقق في صيدا بعد اعداد ملف كامل، ودراسة وافية تتلاءم مع طلابنا في لبنان، وكانت التجربة ناجحة، وأعطت نوعاً من الروح لأطفال المدارس في القسم الإبتدائي·

ولم يخفِ رغبته في تعلم المزيد من اللغات، من أجل مساعدته في فك تواريخ الحضارات، فيقول: تعلمت الإنكليزية والفارسية جيداً ودرَستها في <الجامعة اللبنانية> لمدة 6 سنوات، وتعلمت في دورة أقامتها <منظمة التحرير الفلسطينية> اللغة العبرية، ودرست أشهراً فقط، ثم درست اللغة التركية مؤخرا·

نقود وتأليف وقال: هوايتي جمع النقود القديمة والنادرة، وبات لديّ الآن حوالى 400 قطعة نقود قديمة، لم أستطع اكمال هذه الهواية بسبب الإنشغالات الكثيرة، ومنها ما هو قبل الميلاد، ومنهم ما إشتريته من الأسواق، وما قدّم لي من طلابي، حتى وصلت الى هذا العدد ومنها ما هو:

يوناني، روماني وبيزنطي، لقد حققت معظم طموحاتي وما أريده، وكتبت كثيراً في بعض المجالات بإسم مستعار <طلال الصيداوي>، وقد إكتسبت شهرة كبيرة بهذا الإسم، إضافة الى عدة مقالات في صحف لبنانية عريقة، وفي مقدمها <اللـواء>·

وختم المجذوب: كلمتي الأخيرة تقول إن الإنسان يبقى يعمل طالما فيه عرق ينبض، وأعتقد إنني أوصلت رسالتي في تسليط الأضواء على مدينة صيدا، وهي رسالة كبيرة تحتاج الى أكثر من فرد ولذلك فأنا جزء منهم، وأسست <مركز صيدا للدراسات التاريخية والأثرية> ولدينا طموحات كثيرة للتنفيذ، إضافة الى مكتبة متنوعة تتضمن أكثر من 2000 كتاب، معظمها في التاريخ والجغرافيا وفي الأدب والتراث والفلسفة والطب، وعندي أرشيف كامل عن مدينة صيدا يضم نحو 500 ملف من الوثائق والمقتطفات القديمة والنادرة، ولعله أكمل أرشيف يملكه صيداوي·
 

السابق
بري : مبادرة سياسية
التالي
بعد السلطانية، اقفال مدخل بلدتي الصوانة وتولين احتجاجاً على انقطاع الكهرباء